حَالَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. (فَيَعِظُهُمْ) أَيْ: يُذَكِّرُهُمْ بِالْعَوَاقِبِ: بِشَارَةً مَرَّةً، وَنِذَارَةً أُخْرَى، وَبِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَبِالرَّغْبَةِ فِي الْأُخْرَى، وَبِالْوَعْدِ فِي الثَّوَابِ، وَبِالْوَعِيدِ فِي الْعِقَابِ لِئَلَّا يَسْتَلِذَّهُمْ فَرْطُ السُّرُورِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَيَغْفُلُوا عَنِ الطَّاعَةِ، وَيَقَعُوا فِي الْمَعْصِيَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ غَالِبِ أَهْلِ الزَّمَانِ الْآنَ. (وَيُوصِيهِمْ) : بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ أَيْ: بِالتَّقْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكُتَّابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقَوُا اللَّهَ} [النساء: ١٣١] وَهِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ كَامِلَةٌ، وَبِمَرَاتِبِ الْكَمَالِ شَامِلَةٌ، أَدْنَاهَا التَّقْوَى عَنِ الشِّرْكِ بِالْمَوْلَى، وَأَوْسَطُهَا امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ، وَاجْتِنَابُ الزَّوَاجِرِ، وَأَعْلَاهَا الْحُضُورُ مَعَ اللَّهِ وَالْغَيْبَةُ عَمَّا سِوَاهُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: يُوصِيهِمْ بِإِدَامَةِ الطَّاعَاتِ، وَالتَّحَرُّزِ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَبِرِعَايَةِ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَمِنْهَا النُّصْحُ التَّامُّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. (وَيَأْمُرُهُمْ) أَيْ: وَيَنْهَاهُمْ يَعْنِي بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْمُنَاسِبِ لِلْمَقَامِ، فَيَكُونُ الِاخْتِصَارُ عَلَى (يَأْمُرُهُمْ) مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ: يَأْمُرُهُمْ بِأَحْكَامِ الْفِطْرَةِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ، وَبِأَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فَيَعِظُهُمْ أَيْ: يُنْذِرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ ; لِيَتَّقُوا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَيُوصِيهِمْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لِيَنْصَحُوا لَهُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْحَلَالِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْحَرَامِ، وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. (وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ) أَيْ: يُرْسِلَ أَوْ يُعَيِّنَ. (بَعْثًا) أَيْ: جَيْشًا إِلَى نَاحِيَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ. (قَطَعَهُ) أَيْ: أَرْسَلَهُ، وَقِيلَ قَطَعَهُ بِمَعْنَى وَزَّعَهُ، بِأَنْ يَقُولَ: يَخْرُجُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ كَذَا، وَمِنْ بَنِي فُلَانٍ كَذَا. وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ قَوْمًا مِنْ غَيْرِهِمْ يَبْعَثُهُمْ إِلَى الْغَزْوِ لَأَفْرَدَهُمْ وَبَعَثَهُمْ. (أَوْ يَأْمُرَ) : بِالنَّصْبِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ. (بِشَيْءٍ) أَيْ: مِنْ أُمُورِ النَّاسِ وَمَصَالِحِهِمْ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ أَوِ التَّخْصِيصِ لِبَعْضِ النَّاسِ، أَوْ لِبَعْضِ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَوْ مِنْ أَمْرِ الْحَرْبِ. (أَمَرَ بِهِ) أَيْ: لَأَمَرَ بِمَا أَرَادَ بِهِ مِنَ الْأَمْرِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ: وَلَيْسَ تَكْرَارًا لِلْأَمْرِ السَّابِقِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخِيرِ الْأَمْرُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَعْثِ وَقَطْعِهِ مِنَ الْحَرْبِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهَا. وَقَالَ الشَّارِحُ زَيْنُ الْعَرَبِ: الْبَعْثُ: الْجَيْشُ الْمَبْعُوثُ إِلَى مَوْضِعٍ، مُصَدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَالْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ جَيْشًا إِلَى مَوْضِعٍ لَأَرْسَلَهُ، وَقِيلَ: قَطَعَهُ أَيْ: وَزَّعَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ، أَوْ يَأْمُرَ بِأَمْرٍ مِنْ مَصَالِحِ النَّاسِ لَأَمَرَ؛ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَمْ تَمْنَعْهُ الْخُطْبَةُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُطْبَةِ غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى الْإِمَامِ.
قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَةِ الْعِيدِ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ. قُلْتُ: كَلَامُ الْإِمَامِ إِذَا كَانَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ فِي حَقِّهِ: إِنَّهُ حَرَامٌ، وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَةِ الْأَنَامِ؟ ! (ثُمَّ يَنْصَرِفُ) أَيْ: يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute