للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ قَالَ: كَسَفَتْ. وَفِيهِ: فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتْ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوهَا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فَانْجَلَتْ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا كَانَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» . قَالَ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْهَا الصَّحِيحُ، وَمِنْهَا الْحَسَنُ، وَقَدْ دَارَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ مِنْهَا: مَا فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِأَنْ يَجْعَلُوهُ كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَهِيَ الصُّبْحُ، فَإِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا قَيْدَ رُمْحَيْنِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ. فَأَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَحْدَثِ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِعَارَةً مِنْ حَدَاثَةِ السِّنِّ، فَإِنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ صِغَرِهِ بِمَعْنَى قِلَّةِ عُمْرِهِ. قَالَ: وَمِنْهَا مَا فُصِّلَ فَأَفَادَ تَفْصِيلُهُ أَنَّهَا بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ، وَحَمْلُ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ خُرُوجٌ عَنِ الظَّاهِرِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِمْكَانُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ يَكْفِي فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ إِذَا أَوْجَبَهُ دَلِيلٌ، وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ كَوْنُ أَحَادِيثِ الرُّكُوعَيْنِ أَقْوَى. قُلْنَا: هَذِهِ أَيْضًا فِي رُتْبَتِهَا، أَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ آخِرًا فَلَا شَكَّ، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّسَائِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالْبَاقِي لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَقَدْ تَعَدَّدَتْ فِرَقُهُ فَيَرْتَقِي إِلَى الصَّحِيحِ، فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ حِينَئِذٍ، فَكَافَأَتْ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ، وَكَوْنِ بَعْضُ تِلْكَ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْكُلُّ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، غَايَةُ مَا فِيهِ كَثْرَةُ الرُّوَاةِ، وَلَا تَرْجِيحَ عِنْدَنَا بِذَلِكَ، ثُمَّ الْمَعْنَى الَّذِي رَوَيْنَاهُ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ وَالْمُغْنِي، وَهُوَ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَفَرَّقَ فِي آحَادِ الْكُتُبِ وَأَثْنَائِهَا خُصُوصِيَّاتُ الْمُتُونِ.

وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا أَقْوَى سَنَدًا فَالضَّعِيفُ قَدْ يَثْبُتُ مَعَ صِحَّةِ الطَّرِيقِ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيهَا، فَإِنَّ أَحَادِيثَ تَعَدُّدِ الرُّكُوعِ اضْطَرَبَتْ وَاضْطَرَبَ فِيهَا الرُّوَاةُ أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَوَى رُكُوعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى ثَلَاثًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى أَرْبَعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى خَمْسًا، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ، فَوَجَبَ تَرْكُ رِوَايَاتِ التَّعَدُّدِ كُلِّهَا إِلَى رِوَايَاتٍ غَيْرِهَا. وَلَوْ قُلْنَا: الِاضْطِرَابُ يَشْمَلُ رِوَايَاتِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ صَحَّ، وَيَكُونُ مُتَضَمِّنًا تَرَجُّحَ رِوَايَاتِ الِاتِّحَادِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَاتِ الْإِطْلَاقِ أَعْنِي نَحْوَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ. وَعَنْ هَذَا الِاضْطِرَابِ الْكَثِيرِ وُفِّقَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِحَمْلِ رِوَايَاتِ التَّعَدُّدِ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا أَطَالَ فِي الرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَعْهُودِ جِدًّا، وَلَا يَسْمَعُونَ لَهُ صَوْتًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ رَفْعِ مَنْ خَلْفَهُ مُتَوَقِّعِينَ رَفْعَهُ، وَعَدَمِ سَمَاعِهِمُ الِانْتِقَالَ، فَرَفَعَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي مَنْ رَفَعَ، فَلَمَّا رَأَى مَنْ خَلْفَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرْفَعْ، فَلَعَلَّهُمُ انْتَظَرُوهُ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُدْرِكُهُمْ فِيهِ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ رَجَعُوا إِلَى الرُّكُوعِ، فَظَنَّ مَنْ خَلْفَهُمْ أَنَّهُ رُكُوعٌ بَعْدَ رُكُوعٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَوَوْا كَذَلِكَ، ثُمَّ لَعَلَّ رِوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى اتِّفَاقِ تَكَرُّرِ الرَّفْعِ مِنَ الَّذِي خَلْفَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْكُسُوفُ الْوَاقِعُ فِي زَمَنِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِرَارًا مَعَ بُعْدِ أَنْ يَقَعَ نَحْوَ سِتِّ مَرَّاتٍ فِي عَشْرِ سِنِينَ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ كَانَ رَأْيُنَا أَوْلَى أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَارِيخُ فِعْلِهِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْكُسُوفِ الْمُتَأَخِّرِ، فَقَدْ وَقَعَ التَّعَارُضُ، وَوَجَبَ الْإِحْجَامُ عَنِ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ كَانَ الْمُتَعَدِّدُ عَلَى وَجْهِ التَّثْنِيَةِ أَوِ الْجَمْعِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ كَانَ الْمُتَجَدِّدُ، فَبَقِيَ الْمَجْزُومُ بِهِ اسْتِنَانُ الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي كَيْفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْمَرْوِيَّاتِ فَيُتْرَكُ، وَيُصَارُ إِلَى الْمَعْهُودِ، ثُمَّ يَتَضَمَّنُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّرَجُّحِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ اهـ. كَلَامُ الْمُحَقِّقِ مُلَخَّصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>