الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١٤٩٧ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ: ابْنِ عَاصِمِ بْنِ مَازِنٍ الْأَنْصَارِيِّ، لَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ الَّذِي رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَشَرْحِهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: الْأَوَّلُ شَهِدَ أُحُدًا وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ مُشَارِكًا وَحْشِيَّ بْنَ الْحَارِثِ فِي قَتْلِهِ، وَالثَّانِي: شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: [وَوَهَّمَ الْبُخَارِيُّ ابْنَ عُيَيْنَةَ] فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، بَلْ هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ. (قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ) أَيْ: مَعَهُمْ. (إِلَى الْمُصَلَّى) أَيْ: فِي الْمَدِينَةِ. (يَسْتَسْقِي) : حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ. (فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْمُظْهِرُ: أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةً بَلْ يَدْعُو لَهُ، وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَمَالِكٌ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَعَلَهَا بِدْعَةً فَخَطَأٌ فَاحِشٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَعْلِهَا سُنَّةً، لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا مَرَّةً وَتَرَكَهَا أُخْرَى، أَنْ تَكُونَ بِدْعَةً، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ جَهْلِهِ وَعَدَمِ اطِّلَاعِهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَرْتَبَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، سِيَّمَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَالْهُمَامُ الْأَقْدَمُ الَّذِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَقِّهِ: النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مَعَ كَثْرَتِهَا. (جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بِالْجَمَاعَةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: قُلْنَا: فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَنَا. يَعْنِي: يَجُوزُ لَوْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ، لَكِنْ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَفِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ إِنَّمَا فِيهِ الدُّعَاءُ، بَلَغَنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَرَجَ وَدَعَا. وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَاسْتَسْقَى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ صَلَاةٌ إِلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ شَاذٌّ لَا يُؤْخَذُ بِهِ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَوَجْهُ الشُّذُوذِ أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَاشْتُهِرَ نَقْلُهُ اشْتِهَارًا وَاسِعًا، وَلَفَعَلَهُ عُمَرُ حِينَ اسْتَسْقَى، وَلَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ; لِتَوَفُّرِ الْكُلِّ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلِاسْتِسْقَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يُنْكِرُوا، وَلَمْ تَشْتَهِرْ رِوَايَتُهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، بَلْ هُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي كَيْفِيَّتِهَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ: كَانَ ذَلِكَ شُذُوذًا فِيمَا حَضَرَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّذُوذَ يُرَادُ بِاعْتِبَارِ الطُّرُقِ إِلَيْهِمْ، إِذْ لَوْ تَيَقَّنَا عَنِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ رَفْعَهُ لَمْ يَبْقَ إِشْكَالٌ اهـ.
قِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْأُولَى بِ (ق) أَوْ سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ: بِاقْتَرَبَ أَوِ الْغَاشِيَةِ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: ١] ; لِأَنَّهَا لَائِقَةٌ بِالْحَالِ، وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْأُولَى: الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِالْغَاشِيَةِ. (وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) أَيْ: بَعْدَ الصَّلَاةِ. (يَدْعُو) : حَالٌ. (وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ: لِلدُّعَاءِ. (وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) قَالَ الْمُظْهِرُ: الْغَرَضُ مِنَ التَّحْوِيلِ التَّفَاؤُلُ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ يَعْنِي: حَوَّلْنَا أَحْوَالَنَا رَجَاءَ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْعُسْرَ بِالْيُسْرِ، وَالْجَدْبَ بِالْخِصْبِ، وَكَيْفِيَّةُ التَّحْوِيلِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ مِنْ جَانِبِ يَسَارِهِ، وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ أَيْضًا مِنْ جَانِبِ يَمِينِهِ، وَيَقْلِبَ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ، وَالطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَسَارِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute