يَخْرُجُونَ فِيهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَدَا) : بِالْأَلِفِ لَا بِالْهَمْزَةِ، أَيْ: ظَهَرَ. (حَاجِبُ الشَّمْسِ) أَيِ: أَوَّلُهُ أَوْ بَعْضُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ: أَوَّلُ طُلُوعِ شُعَاعِهَا مِنَ الْأُفُقِ. قَالَ مِيْرَكُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاجِبِ مَا طَلَعَ أَوَّلًا مِنْ جِرْمِ الشَّمْسِ مُسْتَدَقًّا مُشَبَّهًا بِالْحَاجِبِ، أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُغْرِبِ حَاجِبُ الشَّمْسِ: أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنَ الشَّمْسِ مُسْتَعَارٌ مِنْ حَاجِبِ الْوَجْهِ. (فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ فَحَمِدَ اللَّهَ) : قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: تُسَنُّ الْخُطْبَةُ، وَتَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَسْتَفْتِحُهُمَا بِالِاسْتِغْفَارِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا: لَا خُطْبَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ إِسْحَاقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ: «أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ - وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ - إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنِ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ» ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: ثُمَّ هِيَ خُطْبَةُ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَعْنِي فَتَكُونُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ ; وَلِذَا قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَاحِدَةٌ، وَلَا صَرِيحَ فِي الْمَرْوِيَّاتِ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا خُطْبَتَانِ.
(ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ) أَيْ: إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. (جَدْبَ دِيَارِكُمْ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: قَحْطَهَا. (وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ) أَيْ: تَأَخُّرَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالسِّينُ لِلْمُبَالَغَةِ، يُقَالُ: اسْتَأْخَرَ الشَّيْءُ إِذَا تَأَخَّرَ تَأَخُّرًا بَعِيدًا. (عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ: وَقَتِهِ، مِنْ إِضَافَةِ الْخَاصِّ إِلَى الْعَامِّ، يَعْنِي: عَنْ أَوَّلِ زَمَانِ الْمَطَرِ، وَالْإِبَّانُ أَوَّلُ الشَّيْءِ. فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ: نُونُهُ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ فِعَّالًا، وَقِيلَ: زَائِدَةٌ فَيَكُونُ فِعْلَانٌ مِنْ آبَ الشَّيْءُ يَئُوبُ إِذَا تَهَيَّأَ لِلذَّهَابِ، وَفِي حَدِيثِ الْبَعْثِ: هَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ، أَيْ: وَقْتُ ظُهُورِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ: إِبَّانُ الشَّيْءِ بِالْكَسْرِ حِينُهُ أَوْ أَوَّلُهُ. (عَنْكُمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِئْخَارِ. (وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أَيْ: فِي كِتَابِهِ. (أَنْ تَدْعُوهُ) أَيْ: دَائِمًا خُصُوصًا عِنْدَ الشَّدَائِدِ. (وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ) : بِقَوْلِهِ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠] ، وَلَا خُلْفَ فِي وَعْدِهِ. (ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ: فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : الْمُفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِالنِّعَمِ الْجَلِيلَةِ وَالدَّقِيقَةِ تَارَةً فِي صُورَةِ النَّعْمَاءِ، وَمَرَّةً فِي طَرِيقَةِ الْبَلَاءِ، وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] : بِالْأَلِفِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، أَيْ: مَالِكِ كُلِّ شَيْءٍ فِي كُلِّ حِينٍ، وَالتَّخْصِيصُ لَهُ لِعَظَمَةِ يَوْمِ الدِّينِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْبَلَاءَ مُجَازَاةٌ فِي الدُّنْيَا لِمَا صَدَرَ مِنَ الْعِبَادِ مِنْ وُجُوهِ التَّقْصِيرِ فِي الْعُبُودِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] . (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) : هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ، الْمُتَوَحِّدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ. (وَيَفْعَلُ مَا يُؤَيِّدُهُ) ، وَيَحْكُمُ مَا يَشَاءُ، لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَمَا رُوِيَ: يَا عَبْدِي أُرِيدُ وَتُرِيدُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا أُرِيدُ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ. قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: أُرِيدُ وِصَالَهُ وَيُرِيدُ هَجْرِي فَأَتْرُكُ مَا أُرِيدُ لِمَا يُرِيدُ
وَسَأَلَ الْبِسْطَامِيُّ أَبَا يَزِيدَ: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: هَذِهِ أَيْضًا إِرَادَةٌ. (اللَّهُمَّ أَنْتَ) اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ: أَنْتَ تَأْكِيدٌ. (الْغَنِيُّ) : بِذَاتِهِ عَنِ الْعَبْدِ وَعِبَادَتِهِ. (وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ) أَيِ: الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْكَ فِي الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ. (أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: غَيْثًا أَيْ: مَطَرًا يُغِيثُنَا وَيُعِينُنَا ; فَإِنَّا عَرَفْنَا قَدْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute