للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نِعْمَتِكَ بَعْدَ فِقْدَانِ بَعْضِهَا. (وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً) أَيْ: بِالْقُوتِ حَتَّى لَا نَمُوتَ، وَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى عِبَادَةِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْمَعْنَى اجْعَلْهُ مَنْفَعَةً لَنَا لَا مَضَرَّةً عَلَيْنَا. (وَبَلَاغًا) أَيْ: زَادًا يُبَلِّغُنَا. (إِلَى حِينٍ) أَيْ: مِنْ أَحْيَانِ آجَالِنَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْبَلَاغُ مَا يُتَبَلَّغُ بِهِ إِلَى الْمَطْلُوبِ، وَالْمَعْنَى اجْعَلِ الْخَيْرَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْنَا سَبَبًا لِقُوَّتِنَا، وَمَدَدًا لَنَا مُدَدًا طِوَالًا. (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَتْرُكِ الرَّفْعَ) : بَلْ بَالَغَ فِيهِ. (حَتَّى بَدَا) أَيْ: ظَهَرَ. (بَيَاضُ إِبِطَيْهِ) أَيْ: مَوْضِعُهُمَا. (ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ) : وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ إِشَارَةً إِلَى التَّبَتُّلِ إِلَى اللَّهِ، وَالِانْقِطَاعِ عَمَّا سِوَاهُ. (وَقَلَّبَ) : بِالتَّشْدِيدِ. وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ، وَفِي رِوَايَةٍ عُفْرَةَ إِبِطَيْهِ، وَلَا تَخَالُفَ ; لِأَنَّهَا عُفْرَةٌ نِسْبِيَّةٌ، لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الشَّعْرِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَدَعْوَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ، بَلْ ثَبَتَ نَتْفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (أَوْ حَوَّلَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. (رِدَاءَهُ) : لِلتَّفَاؤُلِ وَإِرَادَةِ تَقْلِيبِ الْحَالِ مِنَ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ. (وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: يَدَهُ يَعْنِي هَذِهِ الْحَالَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي حَالِ تَحْوِيلِ ظَهْرِهِ أَيْضًا. (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) أَيْ: بِوَجْهِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَاسِ. (وَنَزَلَ) أَيْ: مِنَ الْمِنْبَرِ. (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ) أَيْ: أَوْجَدَ أَوْ أَحْدَثَ. (سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: ظَهَرَ فِيهَا الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ، فَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ. فِي النِّهَايَةِ: بَرِقَتْ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْحَيْرَةِ، وَبِالْفَتْحِ مِنَ الْبَرِيقِ اللَّمَعَانُ. (ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ) : فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّ أَمْطَرَتْ وَمَطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَا يُقَالُ: أَمْطَرَتْ إِلَّا فِي الْعَذَابِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} [الحجر: ٧٤] . وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. قَالَ تَعَالَى: {عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: ٢٤] ، وَهُوَ فِي الْخَيْرِ ; لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ خَيْرًا. (فَلَمْ يَأْتِ) أَيْ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي اسْتَسْقَى فِيهِ مِنَ الصَّحْرَاءِ. (مَسْجِدَهُ) أَيِ: النَّبَوِيَّ فِي الْمَدِينَةِ. (حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ) أَيْ: مِنَ الْجَوَانِبِ. (فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ) أَيْ: سُرْعَةَ مَشْيِهِمْ وَالْتِجَائِهِمْ. (إِلَى الْكِنِّ) : بِكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَهُوَ مَا يُرَدُّ بِهِ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ مِنَ الْمَسَاكِنِ. (ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) أَيْ: آخِرُ أَضْرَاسِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَكَانَ ضَحِكُهُ تَعَجُّبًا مِنْ طَلَبِهِمُ الْمَطَرَ اضْطِرَارًا، ثُمَّ طَلَبِهِمُ الْكِنَّ عَنْهُ فِرَارًا، وَمِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِظْهَارِ قُرْبَةِ رَسُولِهِ وَصِدْقِهِ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ سَرِيعًا، وَبِصِدْقِهِ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ. (فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَذَلِكَ الْكَلَامُ السَّابِقُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَعَلَّهُ بِهَذِهِ الْغَرَابَةِ أَوْ بِالِاضْطِرَابِ، فَإِنَّ الْخُطْبَةَ فِيهِ مَذْكُورَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهَا، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا تَمَّ اسْتِبْعَادُ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ وَقَعَ حَالَ حَيَاتِهِ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ. السَّنَةَ الَّتِي اسْتَسْقَى فِيهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ، وَالسَّنَةَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا، وَإِلَّا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.

هَذَا وَيُسْتَحْسَنُ أَيْضًا الدُّعَاءُ بِمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، مَرِيعًا غَدَقًا، مُجَلِّلًا سَحًّا، عَامًّا طَبَقًا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْبِلَادِ وَالْعِبَادِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، فَإِذَا مُطِرُوا قَالُوا: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، وَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنْ زَادَ الْمَطَرُ حَتَّى خِيفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>