رُعُونَةً. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: إِنْ كَانَتِ الْمِيثَرَةُ مِنْ دِيبَاجٍ فَحَرَامٌ، وَإِلَّا فَالْحَمْرَاءُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ مِيثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَوْصِيفُهَا بِالْحُمْرَةِ لِأَنَّهَا كَانَتِ الْأَغْلَبَ فِي مَرَاكِبِ الْأَعَاجِمِ، يَتَّخِذُونَهَا رُعُونَةً. (وَالْقَسِّيِّ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ وَالْيَاءِ. فِي الْفَائِقِ: الْقَسِّيُّ ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابٍ كِتَّانٍ مَخْلُوطٍ بِحَرِيرٍ يُؤْتَى بِهِ مِنْ مِصْرَ، نُسِبَ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا: الْقَسُّ، وَقِيلَ الْقَسُّ: الْقَزُّ، وَهِيَ رَدِيءُ الْحَرِيرِ، أُبْدِلَتِ الزَّايُ: سِينًا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالنَّهْيُ إِمَّا لِغَلَبَةِ الْحَرِيرِ، أَوْ لِكَوْنِهَا ثِيَابًا حَمْرَاءَ.
قَالَ مِيرَكُ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ؟ قُلْتَ: الْحَرِيرُ اسْمٌ عَامٌّ، وَالدِّيبَاجُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَالْإِسْتَبْرَقُ نَوْعٌ مِنَ الدِّيبَاجِ، والْقَسِّيُّ مَا يُخَالِطُهُ الْحَرِيرُ أَوْ رَدِيءُ الْحَرِيرِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ بَيَانًا لِاهْتِمَامٍ بِحُكْمِهِ، وَدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِاسْمٍ مُسْتَقِلٍّ يُنَافِي دُخُولَهُ تَحْتَ الْحُكْمِ الْعَامِّ، وَالْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ غَيْرُ الْحَرِيرِ نَظَرًا إِلَى الْعُرْفِ، وَكَوْنُهَا ذَوَاتُ أَسْمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ مُقْتَضِيَةً لِاخْتِلَافِ مُسَمَّيَاتِهَا. (وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ) : وَالَّذِي أَوْلَى، مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذِهِ الْخِصَالُ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ فِي حُكْمِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَالْوُجُوبِ، فَتَحْرِيمُ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ خَاصٌّ لِلرِّجَالِ، وَتَحْرِيمُ آنِيَةِ الْفِضَّةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ السَّرَفِ وَالْمَخِيلَةِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: وَعَنِ الشُّرْبِ) : بِضَمِّ الشِّينِ وَبِفَتْحٍ وَفِي مَعْنَاهُ الْأَكْلُ. (فِي الْفِضَّةِ) : وَالذَّهَبِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. (فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ. (مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا) أَيْ: ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ. (لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ) : قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ: مَنِ اعْتَقَدَ حِلَّهَا وَمَاتَ عَلَيْهِ) ; فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ خِلَافُ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ ذَنْبٌ صَغِيرٌ غَلُظَ وَشُدِّدَ لِلرَّدِّ وَالِارْتِدَاعِ اهـ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا كِنَايَةٌ تَلْوِيحِيَّةٌ عَنْ كَوْنِهِ جَهَنَّمِيًّا ; فَإِنَّ الشُّرْبَ مِنْ أَوَانِي الْفِضَّةِ مِنْ دَأْبِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: ١٥] ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا دَأْبُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَكُونُ جَهَنَّمِيًّا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ فِي الْآخِرَةِ مُدَّةَ عَذَابِهِ، أَوْ وَقْتَ وُقُوفِهِ وَحِسَابِهِ، أَوْ فِي الْجَنَّةِ مُدَّةً يَنْسَى مُدَّةَ شَرَابِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا صَحَّ فِي الْحَرِيرِ: " مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ " وَفِي الْخَمْرِ: " مَنْ شَرِبَهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ " قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آنِيَةً وَلُبَاسًا وَشَرَابًا غَيْرَ مَا ذُكِرَ لِمَنْ حَرَّمَهُ، وَيَكُونُ نَقْصًا فِي مَرْتَبَتِهِ لَا عِقَابًا فِي حَقِّهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ مِيرَكُ: وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: " «وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ» ". وَهُوَ يَحْتَمِلُ السَّلَامَ، وَرَدَّهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute