للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٣٥ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ: " أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ "، وَيَقُولُ: " إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ " الْمَصَابِيحِ ": " بِهِمَا " عَلَى لَفْظِ الثَّنْيَةِ.

ــ

١٥٣٥ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ: " أُعِيذُكُمَا) أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِيُعَوِّذَ. (بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْكَلِمَةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تَقَعُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الْكَلَامِ اسْمًا كَانَ أَوْ فِعْلًا أَوْ حَرْفًا، وَتَقَعُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَبْسُوطَةِ وَعَلَى الْمَعَانِي الْمَجْمُوعَةِ، وَالْكَلِمَاتُ هَاهُنَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَكُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ ; لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِهَا، وَوَصْفُهَا بِالتَّامَّةِ لِخُلُوِّهَا عَنِ النَّوَاقِضِ وَالْعَوَارِضِ، بِخِلَافِ كَلِمَاتِ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَاللَّهْجَةِ وَأَسَالِيبِ الْقَوْلِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ يُوجَدُ فَوْقَهُ آخَرُ، إِمَّا فِي مَعْنًى أَوْ فِي مَعَانٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ إِنَّ أَحَدَهُمْ قَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْ مُعَارَضَةٍ أَوْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوِ الْعَجْزِ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي يُرَادُ، وَأَعْظَمُ النَّقَائِصِ الَّتِي هِيَ مُقْتَرِنَةٌ بِهَا أَنَّهَا كَلِمَاتٌ مَخْلُوقَةٌ تَكَلَّمَ بِهَا مَخْلُوقٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْأَدَوَاتِ وَالْجَوَارِحِ، وَهَذِهِ نَقِيصَةٌ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا كَلَامٌ مَخْلُوقٌ، وَكَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْقَوَادِحِ، فَهِيَ لَا يَسَعُهَا نَقْصٌ، وَلَا يَعْتَرِيهَا اخْتِلَالٌ، وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَا عَلَى الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ مَخْلُوقَةً لَمْ يَعُذْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَاذَةُ بِمَخْلُوقٍ. (مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ) أَيْ: جِنٍّ وَإِنْسٍ. (وَهَامَّةٍ) أَيْ: مِنْ شَرِّهِمَا، وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ كُلُّ دَابَّةٍ ذَاتِ سُمٍّ يَقْتُلُ، وَالْجَمْعُ الْهَوَامُّ، وَأَمَّا مَا لَهُ سُمٌّ وَلَا يَقْتُلُ فَهُوَ السَّامَّةُ كَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ، وَقَدْ يَقَعُ الْهَوَامُّ عَلَى مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ مُطْلَقًا كَالْحَشَرَاتِ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ عَنِ النِّهَايَةِ. (وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ: جَامِعَةٍ لِلشَّرِّ عَلَى الْمَعْيُونِ، مِنْ لَمَّهُ إِذَا جَمَعَهُ، أَوْ تَكُونُ بِمَعْنَى مُلِمَّةٍ أَيْ: مُنْزِلَةٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ فِي الصِّحَاحِ: الْعَيْنُ اللَّامَّةُ هِيَ الَّتِي تُصِيبُ بِسُوءٍ، وَاللَّمَمُ طَرَفٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَلَامَّةٌ أَيْ: ذَاتُ لَمَمٍ، وَأَصْلُهَا مِنْ أَلَمَّتْ بِالشَّيْءِ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ، وَقِيلَ: لَامَّةٌ لِازْدِوَاجِ هَامَّةٍ، وَالْأَصْلُ مُلِمَّةٌ ; لِأَنَّهَا فَاعِلُ أَلْمَمَتْ اهـ.

قِيلَ: وَجْهُ إِصَابَةِ الْعَيْنِ أَنَّ الْخَاطِرَ إِذَا نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ وَاسْتَحْسَنَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَوِيَّةِ صُنْعِهِ، قَدْ يُحْدِثُ اللَّهُ فِي الْمَنْظُورِ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ نَظَرِهِ عَلَى غَفْلَةٍ ابْتِلَاءً لِعِبَادِهِ لِيَقُولَ الْمُحِقُّ: إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِهِ. (وَيَقُولُ: " إِنَّ أَبَاكُمَا) : أَرَادَ بِهِ الْجَدَّ الْأَعْلَى، وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (كَانَ يُعَوِّذُ بِهِمَا) أَيْ: بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ. (إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) : وَلَدَيْهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْحَسَنَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَنْبَعُ ذُرِّيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ مَعْدِنُ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ. " بِهِمَا " عَلَى لَفْظِ التَّثْنِيَةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ اهـ. إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ كَلِمَاتِ اللَّهِ مَجَازًا مِنْ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ، وَمِمَّا تَكَلَّمَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، أَوِ الْأُولَى جُمْلَةُ الْمُسْتَعَاذِ بِهِ، وَالثَّانِيَةُ جُمْلَةُ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>