قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ السُّنِّيِّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كُنْتُ أَدْفَعُ النَّاسَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاحْتَبَسْتُ عَنْهُ أَيَّامًا فَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: الْحُمَّى. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ، أَوْ بِمَاءِ زَمْزَمَ» ". الْمَشْهُورُ ضَبْطُ (ابْرُدُوهَا) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَالرَّاءُ مَضْمُومَةٌ أَيْ: أَسْكِنُوا حَرَارَتَهَا، وَحُكِيَ كَسْرُ الرَّاءِ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ أَبْرَدَ الشَّيْءَ إِذَا عَالَجَهُ فَصَيَّرَهُ بَارِدًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ: فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «الْحُمَّى كِيرٌ مِنْ كِيرِ جَهَنَّمَ فَنَحُّوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ» ". وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ «عَنْ فَاطِمَةَ قَالَتْ، أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِسَاءٍ - نَعُودُهُ، فَإِذَا نَعُودُهُ، فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقَةٌ يَقْطُرُ مَاؤُهَا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْحُمَّى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمُ» اهـ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَرَاتِبَ فِي كُلِّ مَقَامٍ ثَلَاثَةٌ: الْأَعْلَى، وَالْوَسَطُ، وَالْأَدْنَى، وَعَلَيْهِ مَدَارُ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاغْتِسَالُ لِلْمَحْمُومِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، فَيَكُونُ مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَضْمَحِلُّ عِنْدَ ذَلِكَ جَمِيعُ كَلَامِ أَهْلِ الطِّبِّ حَيْثُ يَقُولُونَ: إِنَّ اغْتِسَالَ الْمَحْمُومِ بِالْمَاءِ خَطَرٌ يُقَرِّبُهُ مِنَ الْهَلَاكِ ; لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَسَامَّ، وَيُحْقَنُ بِالْبَخَارِ الْمُتَخَلِّلِ، وَيَعْكِسُ الْحَرَارَةَ إِلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّلَفِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْحُمَّيَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِبَعْضِ الْأَمَاكِنِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا أَوْجَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: إِذَا كَانَتِ الْقُوَى قَوِيَّةً، وَالْحُمَّى حَارَةً، وَالنُّضْجُ بَيِّنَ وَلَا وَرَمَ فِي الْجَوْفِ وَلَا فَتْقَ، فَإِنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ يَنْفَعُ شُرْبُهُ، فَإِنْ كَانَ الْعَلِيلُ خَصْبَ الْبَدَنِ وَالزَّمَانِ حَارًّا، وَكَانَ مُعْتَادًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ اغْتِسَالًا، فَلْيُؤْذَنْ لَهُ، وَقَدْ نَزَّلَ ابْنُ الْقَيِّمِ حَدِيثَ ثَوْبَانَ عَلَى هَذِهِ الْقُيُودِ فَقَالَ: هَذِهِ الصِّفَةُ تَنْفَعُ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فِي الْحُمَّى الْعَرَضِيَّةِ، أَوِ الْغِبِّ الْخَالِصَةِ الَّتِي لَا وَرَمَ مَعَهَا، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْأَعْرَاضِ الرَّدِيئَةِ وَالْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ، فَيُطْفِئُهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبْرَدُ مَا يَكُونُ لِبُعْدِهِ عَنْ مُلَاقَاةِ الشَّمْسِ، وَوُفُورِ الْقُوَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِكَوْنِهِ عَقِبَ النَّوْمِ وَالسُّكُونِ وَبَرْدِ الْهَوَاءِ. قَالَ: وَالْأَيَّامُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَقَعُ بِحَرَّانِ الْأَمْرَاضِ الْحَارَّةِ غَالِبًا، لَا سِيَّمَا الْبِلَادُ الْحَارَّةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: غَلِطَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْعِلْمِ، فَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ لَمَّا أَصَابَتْهُ الْحُمَّى، فَاحْتَقَنَتِ الْحَرَارَةُ فِي بَاطِنِ بَدَنِهِ، فَأَصَابَتْهُ عِلَّةٌ صَعْبَةٌ كَادَتْ تُهْلِكُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِلَّتِهِ قَالَ قَوْلًا سَيِّئًا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ جَهْلُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute