الْفَصْلُ الثَّالِثُ
١٦٤٤ - عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَأَرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا، وَلَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
١٦٤٤ - (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: إِبْرَاهِيمَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ. (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ أَيْ: جِيءَ. (بِطَعَامٍ) أَيْ: لِلْإِفْطَارِ. (وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي) : قَالَهُ تَوَاضُعًا وَهَضْمًا لِنَفْسِهِ، أَوْ مِنْ حَيْثِيَّةِ اخْتِيَارِ الْفَقْرِ وَالصَّبْرِ، وَإِلَّا فَقَدَ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْمُبَشَّرَةَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ. (كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ) : اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ. (إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ) أَيْ: سُتِرَ بِهَا. (بَدَتْ) أَيْ: ظَهَرَتْ. (رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ) : وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِهِ جَامِعِ الْمَنَاقِبِ: أَنَّهُ غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ، وَجُعِلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ. (أُرَاهُ) أَيْ: أَظُنُّهُ. (قَالَ) أَيْ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ. (وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي) : مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَةِ فِي رِكَابِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوِ اخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ الْفَقْرَ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مِنْهُمَا قَوْلُهُ: (ثُمَّ بُسِطَ) أَيْ: وُسِّعَ وَكُثِّرَ. (لَنَا) : أَرَادَ نَفْسَهُ، وَبَقِيَّةَ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ اتَّسَعَتْ لَهُمُ الدُّنْيَا بِوَاسِطَةِ الْغَنَائِمِ أَوِ التِّجَارَةِ. (مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا) مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا: وَفِي نُسْخَةٍ: مَا أُعْطِينَاهُ أَيْ: مِنَ الْمَالِ الْكَثِيرِ. (وَلَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ) : بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ. (حَسَنَاتُنَا) أَيْ: ثَوَابُهَا. (عُجِّلَتْ) أَيْ: أُعْطِيَتْ عَاجِلًا. (لَنَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: خِفْنَا أَنْ نَدْخُلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ قِيلِ فِيهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: ١٨] اهـ. أَوْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: ٢٠] . كَمَا صَدَرَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ، وَهَذَا لَمَّا كَانَ الْخَوْفُ غَالِبًا عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَمَعْنَى الْآيَةِ الْأُولَى: مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْعَاجِلَةَ وَلَمْ يُرِدْ غَيْرَهَا تَفَضَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مَا نَشَاءُ لَا مَا يَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ لَا لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ: أَذْهَبْتُمْ مَا كُتِبَ لَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَيْ: أَذْهَبْتُمُوهُ فِي دُنْيَاكُمْ، فَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَظِّكُمْ شَيْءٌ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ بِالْحَظِّ الِاسْتِمْتَاعُ بِاللَّهْوِ وَالتَّنَعُّمِ الَّذِي يَشْغَلُ الرَّجُلَ الِالْتِذَاذُ بِهِ عَنِ الدِّينِ وَتَكَالِيفِهِ، حَتَّى يَعْكُفَ مِنْهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ، وَلَمْ يَعِشْ إِلَّا لِيَأْكُلَ الطَّيِّبَ، وَيَلْبَسَ اللَّيِّنَ، وَيَقْطَعَ أَوْقَاتَهُ بِاللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، وَلَا يَعْبَأُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يَحْمِلُ عَلَى النَّفْسِ مَشَاقَّهَا، وَأَمَّا التَّمَتُّعُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَأَرْزَاقِهِ الَّتِي لَمْ يَخْلُقْهَا إِلَّا لِعِبَادِهِ، وَيَقْوَى بِهَا عَلَى دِرَاسَةِ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ بِالْعَمَلِ، وَكَانَ نَاهِضًا بِالشُّكْرِ، فَهُوَ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ. وَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَيْ: تَمْرًا، وَشَرِبُوا عَلَيْهِ مَاءً، فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» . (ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي) أَيْ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. (حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ) أَيْ: مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْخَوْفَ إِذَا غَلَبَ مَنَعَ الْمَيْلَ إِلَى اللَّذَّةِ، وَذَهَبَتْ عَنْهُ الشَّهْوَةُ بِالْمَرَّةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute