١٦٤٥ - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، قَالَ: وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
١٦٤٥ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: جَاءَ. (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ) : رَئِيسَ الْمُنَافِقِينَ بِاسْتِدْعَاءِ وَلَدِهِ الْمُؤْمِنِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى وَصِيَّةِ وَالِدِهِ. (بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ) أَيْ: قَبَرَهُ. فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ) أَيْ: مِنْ قَبْرِهِ. (فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَنَفَثَ فِيهِ) أَيْ: فِي وَجْهِهِ أَوْ فِي فِيهِ. (مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ) : وَكُلُّ هَذَا مُدَارَاةٌ وَمُلَاطَفَةٌ، وَحُسْنُ مُعَاشَرَةٍ وَمُؤَالَفَةٍ، وَإِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَنْفَعُ مَنْفَعَةً كُلِّيَّةً مَعَ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ، الْعَارِفِينَ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيَّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ فَرْوَتَهُ لِيَجْعَلَهَا لِلْكَفَنِ كُسْوَتَهُ، فَقَالَ) لَهُ أَبُو يَزِيدَ: لَوْ دَخَلْتَ فِي جِلْدِي، وَأَحَاطَ بِكَ جَسَدِي، مَا نَفَعَكَ وَعَذَّبَكَ اللَّهُ إِنْ شَاءَ مِنْ حَيْثُ لَا أَدْرِي، وَلَوْ دَرَيْتَ لَا أَمْلِكُ نَفْسِي فَضْلًا عَنْ غَيْرِي، وَإِنَّمَا يَنْفَعُ الِاعْتِقَادُ وَالِاجْتِهَادُ، وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ. (قَالَ أَيْ: جَابِرٌ. (وَكَانَ) أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. (كَسَا عَبَّاسًا) أَيْ: حِينَ أُسِرَ بِبَدْرٍ. (قَمِيصًا) : لِأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وَفِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ لِلْبَغْوَيِّ قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ أَبُو هَارُونَ: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَلْبِسْ قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ. وَرُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّمَ فِيمَا فَعَلَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَمَا يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي وَصَلَاتِي مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُسْلِمَ بِهِ أَلْفٌ مِنْ قَوْمِهِ» " رُوِيَ أَنَّهُ أَسْلَمَ أَلْفٌ مِنْ قَوْمِهِ لَمَّا رَأَوْهُ يَتَبَرَّكُ بِقَمِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ مُنَافِقٌ ظَاهِرُ النِّفَاقِ، وَأُنْزِلَ فِي كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ تُتْلَى، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [الفاتحة: ٨٤ - ٣٢٣٦٠] ، وَأَنْ يَكُونَ تَأْلِيفًا لِابْنِهِ وَإِكْرَامًا لَهُ، وَكَانَ مُسْلِمًا بَرِيئًا مِنَ النِّفَاقِ، وَأَنْ يَكُونَ مُجَازَاةً لَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ كَسَا الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصًا، فَأَرَادَ أَنْ يُكَافِئَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِمُنَافِقٍ عِنْدَهُ يَدٌ لَمْ يُجَازِهِ عَلَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّكْفِينِ بِالْقَمِيصِ، وَإِخْرَاجِ الْمَيِّتِ مِنَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِعِلَّةٍ أَوْ سَبَبٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْعِلَّةِ السَّبَبَ الْمُتَقَدِّمَ وَبِالسَّبَبِ الْحَادِثِ. قَالَ الْبَغْوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: «بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أَهْلَكَكَ حُبُّ الْيَهُودِ أَيْ: حُبُّ الْجَاهِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ لِتُؤَنِّبَنِي أَيْ: تُرْجِعَنِي وَتُعَيِّرَنِي، وَلَكِنْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ تَسْتَغْفِرُ لِي، وَسَأَلَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي قَمِيصِهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ» ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي: الْبُخَارِيَّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ؟ ! فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَخِّرْ: عَنِّي يَا عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهِ قَالَ: فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةٌ " {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤] " إِلَى قَوْلِهِ: " {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: ٨٤] " قَالَ: أَيْ: عُمَرُ فَعَجِبْتُ مِنْ جُرْءَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ» ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا قَالَ: " {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: ٨] " وَقَفَ لَهُ وَلَدُهُ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ مُسِلًّا سَيْفَهُ وَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَقُلْ إِنَّكَ الْأَذَلُّ وَرَسُولُ اللَّهِ الْأَعَزُّ ضَؤُبْتُ عُنُقَكَ بِهَذَا. فَقَالَ ذَلِكَ فَمَكَّنَهُ مِنْ دُخُولِهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَالْعَزِيزَ مِنَ الذَّلِيلِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْ: دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ الْجَلِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute