للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٥٠ - وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقُمْنَا، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا، يَعْنِي فِي الْجَنَازَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَأَبِي دَاوُدَ: قَامَ فِي الْجَنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ.

ــ

١٦٥٠ - (وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ) أَيْ: لِرُؤْيَةِ الْجَنَازَةِ. (فَقُمْنَا) تَبَعًا لَهُ أَيْ: أَوَّلًا. (وَقَعَدَ) أَيْ: ثَبَتَ قَاعِدًا. (فَقَعَدْنَا) أَيْ: تَبَعًا لَهُ آخِرًا، يَعْنِي أَيْ: يُرِيدُ عَلِيٌّ بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ (فِي الْجَنَازَةِ) أَيْ: فِي رُؤْيَتِهَا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ أَيْضًا. (وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَأَبِي دَاوُدَ: قَامَ فِي الْجَنَازَةِ) أَيْ: لَهَا. (ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ) قَالَ مِيرَكُ: وَكَأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ، حَيْثُ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ فِي الصِّحَاحِ بِلَفْظِ مَالِكٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، دُونَ لَفْظِ مُسْلِمٍ. وَالْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اخْتَارَ لَفْظَ أَبِي دَاوُدَ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي النُّسَخِ مِنْ عِبَارَةِ مُسْلِمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِبَيَانِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ الْمَفْهُومَ مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مَنْسُوخٌ، لَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَابِ تَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: عَنِ الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إِنْ شَاءَ قَامَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقُمْ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَدَّمُونَ الْجَنَازَةَ فَيَقْعُدُونَ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَيْهِمِ الْجَنَازَةُ. قَالَ الْقَاضِي: الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ لِلْجَنَازَةِ ثُمَّ يَقْعُدُ بَعْدَ قِيَامِهِ إِذَا تَجَاوَزَتْ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اتِّبَاعَهَا غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يُسْتَحَبُّ، الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ أَيَّامًا ثُمَّ لَمْ يَكُنْ يَقُومُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُ الْأَخِيرِ قَرِينَةً وَأَمَارَةً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْوَارِدَ فِي ذَيْنِكَ الْخَبَرَيْنِ لِلنَّدْبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِلْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ ; لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَجَازِ أَقْرَبُ مِنَ النَّسْخِ اهـ.

وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالْقِيَامِ لِلنَّدْبِ، وَقُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ لِعَدَمِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَتَى بِأَدِلَّتِهِ، قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَمَّا الْقَاعِدُ عَلَى الطَّرِيقِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ أَوْ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا جِيءَ بِهِ فَلَا يَقُومُ لَهَا، وَقِيلَ: يَقُومُ، وَاخْتِيرَ الْأَوَّلُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجَنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ لِأَحْمَدَ تَمَّ كَلَامُهُ، وَالْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ، وَهُوَ نَصٌّ فِي الِاحْتِمَالِ. الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنَ النَّسْخِ وَقَوْلِهِ: أَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ بَعْدَ النَّسْخِ مَنْدُوبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَالَ أَئِمَّتُنَا: هُمَا مَنْدُوبَانِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ بِالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْقُعُودِ شَيْءٌ إِلَّا حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ ; لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْقُعُودَ فِيهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الْمُدَّعَى وَالدَّلِيلِ، قَالَ: وَاعْتُرِضَ عَلَى النَّوَوِيِّ بِأَنَّ الَّذِي فَهِمَهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ التَّرْكَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّ فَهْمَ الصَّحَابِيِّ لَا سِيَّمَا مِثْلُ عَلِيٍّ بَابِ مَدِينَةِ الْعِلْمِ مُقَدَّمٌ عَلَى فَهْمِ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ يُسَاعِدُهُ مِنَ الْقَرَائِنِ الْخَارِجِيَّةِ مَا لَا يُدْرِكُهُ غَيْرُهُ، وَلِهَذَا أَمَرَ بِالْقُعُودِ مَنْ رَآهُ قَائِمًا، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ: «قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْجَنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ «رَأَى نَاسًا قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ الْجَنَازَةَ أَنْ تُوضَعَ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِدِرَّةٍ مَعَهُ أَوْ سَوْطٍ أَنِ اجْلِسُوا، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ مَا كَانَ يَقُومُ» ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ نَسْخِهِمَا اهـ.

وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يُفِيدُ مَنْعَ الْقِيَامِ حَتَّى تُوضَعَ اهـ. وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْجَنَازَةِ ابْتِدَاءً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَضِيَّةٌ أُخْرَى، وَنَسْخٌ لِحُكْمٍ آخَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي: مِنْ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إِذَا تَبِعَ جَنَازَةً لَمْ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ فَعَرَضَ لَهُ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّا هَكَذَا نَصْنَعُ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: فَجَلَسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: خَالِفُوهُمْ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>