للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٥٢ - وَعَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

١٦٥٢ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ) أَيْ: أَخْبَرَهُمْ بِمَوْتِهِ. فِي الْقَامُوسِ: نَعَاهُ لَهُ نَعْوًا وَنَعْيًا: أَخْبَرَهُ بِمَوْتِهِ، وَالنَّجَاشِيُّ بِالتَّشْدِيدِ، فَيَاؤُهُ لِلنِّسْبَةِ، وَتَخْفِيفُهَا فَيَاؤُهُ أَصْلِيَّةٌ، وَبِكَسْرِ نُونِهِ وَهُوَ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَهُوَ مَلِكُ الْحَبَشَةِ، وَأَمَّا تَشْدِيدُ الْجِيمِ فَخَطَأٌ، وَالسِّينُ تَصْحِيفٌ، وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ بِوَزْنِ أَرْبَعَةٍ، وَحَاؤُهُ مُهْمَلَةٌ وَقِيلَ مُعْجَمَةٌ، وَهُوَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ، وَكَانَ رِدْءًا لِلْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ بَالِغًا فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ. (الْيَوْمَ) ظَرْفُ نَعَى أَيْ: فِي الْيَوْمِ. (الَّذِي مَاتَ فِيهِ) وَهُوَ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقِيلَ: قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: كَانَ النَّجَاشِيُّ مُسْلِمًا يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ قَوْمِهِ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ مُعْجِزَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ. (وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى) فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ» . وَرُوِيَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْخُلَاصَةِ: مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْمُ وَالْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ اهـ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إِنَّمَا بُنِيَ لِصَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنَ النَّوَافِلِ، وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوَتَنْزِيهٍ رِوَايَتَانِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأُولَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً إِذِ الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وَلَا قُرِنَ الْفِعْلُ بِوَعِيدٍ ظَنِّيٍّ، بَلْ سَلْبُ الْأَجْرِ، وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعَارِضُ الْمَشْهُورَ. قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ فَسَلْبُ الثَّوَابِ مَعَ فِعْلِهَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ إِثْمٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الثَّوَابَ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى الْكَمَالِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ ; وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: «وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ» . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ شَهِدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا، وَفِي تَرْكِهِمُ الْإِنْكَارَ دَلِيلُ الْجَوَازِ اهـ. وَهُوَ لَا يُنَافِي كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ. (فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْضِرَهُ وَخُصُوصِيَّتُهُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>