عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا بَيَانُ ذَلِكَ النَّعْيِ، وَهِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَبْدٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ: أَصْحَمَةُ فَقُومُوا عَلَيْهِ» . وَفِي أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ شَاهِينَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: «قُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمُ النَّجَّاشِيِّ» . فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى عِلْجٍ مِنَ الْحَبَشَةِ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: " {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يَؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٩٩] " إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَفِي أُخْرَى لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «أَصْبَحْنَا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكُمْ أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيَّ قَدْ تُوُفِّيَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ قَالَ: فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَثَبْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ الْمُصَلَّى فَقَامَ فَصَفَفْنَا فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَوْضَحُ حُجَّةٍ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ وَمَقْبَرَتِهَا، وَدَعْوَى أَنَّ الْأَرْضَ انْطَوَتْ حَتَّى صَارَتِ الْجَنَازَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَبِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابَةِ فَهِيَ صَلَاةُ غَائِبٍ قَطْعًا. قُلْتُ: هَذَا لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَرَى الْمُقْتَدِي جَنَازَةَ الْمَيِّتِ الْمَوْضُوعَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْأَوَّلُ يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الثَّانِي، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ فَمُؤَيَّدٌ بِمَا رُوِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ نَاقِلًا عَنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ لِلْوَاحِدِيِّ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُشِفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَرِيرِ النَّجَاشِيِّ حَتَّى رَآهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ» . وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَخَاكُمُ النَّجَّاشِيَّ تُوُفِّيَ فَقُومُوا وَصَلُّوا عَلَيْهِ. فَقَامَ عَلَيْهِ وَصَلُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ أَنَّ جَنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ» . فَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْوَاقِعَ خِلَافُ ظَنِّهِمْ ; لِأَنَّهُ هُوَ فَائِدَتُهُ الْمُعْتَدُّ بِهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ كُوشِفَ لَهُ، وَإِمَّا أَنَّ ذَلِكَ خُصَّ بِهِ النَّجَاشِيُّ فَلَا يُحَلِّقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ مَعَ شَهَادَةِ الصِّدِّيقِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْغَيْبِ وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيُّ، وَيُقَالُ: اللَّيْثِيُّ الْمُزَنِيُّ، وَيُقَالُ: «اللَّيْثِيُّ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَبُوكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُزَنِيِّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ أَتُحِبُّ أَنْ أَطْوِيَ لَكَ الْأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَرَفَعَ لَهُ سَرِيرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَخَلْفَهُ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي كُلِّ صَفٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: بِمَ أَدْرَكَ هَذَا؟ بِحُبِّهِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقِرَاءَتِهِ إِيَّاهَا جَائِيًا وَذَاهِبًا، وَقَائِمًا وَقَاعِدًا» ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَصَلَّى عَلَى زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ لَمَّا اسْتُشْهِدَا بِمُؤْتَةَ عَلَى مَا فِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عِمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: «لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِمُؤْتَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكُشِفَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى مَعْرَكَتِهِمْ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَمَضَى حَتَّى اسْتُشْهِدَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَمَضَى حَتَّى اسْتُشْهِدَ وَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ، اسْتَغْفِرُوا لَهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ يَطِيرُ مِنْهَا بِجَنَاحَيْنِ حَيْثُ شَاءَ» . قُلْنَا: إِنَّمَا ادَّعَيْنَا الْخُصُوصِيَّةَ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ رُفِعَ لَهُ سَرِيرٌ، وَلَا هُوَ مَرْئِيٌّ لَهُ، وَمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ هَذَا مَعَ ضَعْفِ الطُّرُقِ فَمَا فِي الْمُغَازِي مُرْسَلٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَمَا فِي الطَّبَقَاتِ ضَعِيفٌ بِالْعَلَاءِ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ وَيُقَالُ: ابْنُ يَزِيدَ، اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَقَدْ عَنْعَنَهُ ثُمَّ دَلِيلُ الْخُصُوصِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى غَائِبٍ إِلَّا عَلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ سِوَى النَّجَاشِيِّ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهُ رُفِعَ لَهُ، وَكَانَ بِمَرْأًى مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ خَلْقٌ مِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَيْبًا فِي الْأَسْفَارِ كَأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَالْغَزَوَاتِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ عَلَى كُلِّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَرِيصًا حَتَّى قَالَ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ ; فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ لَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute