للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْخَامِسَةُ: (حِجَابُهُ النُّورُ) أَيِ: الْمَعْنَوِيُّ (لَوْ كَشَفَهُ) : اسْتِئْنَافٌ جَوَابًا عَمَّنْ قَالَ: لَا نُشَاهِدُهُ أَيْ: لَوْ أَزَالَ الْحِجَابَ، وَرَفَعَهُ (لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ) : بِضَمٍّ أَوَّلَيْهِ جَمْعُ سُبْحَةٍ بِالضَّمِّ أَيْ: أَنْوَارُ وَجْهِهِ، وَالْوَجْهُ الذَّاتُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ: هِيَ الْأَنْوَارُ الَّتِي إِذَا رَآهَا الرَّاءُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَبَّحُوا، وَهَلَّلُوا لِمَا يَرُوعُهُمْ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، وَتَعْجِيبٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. وَقَالَ الْكَشَّافُ: فِيهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُسَبَّحَ اللَّهُ فِي رُؤْيَةِ الْعَجَبِ مِنْ صَنَائِعِهِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مُتَعَجَّبٍ مِنْهُ، وَقِيلَ: حِجَابُهُ النُّورُ أَيْ: حِجَابُهُ خِلَافُ الْحُجُبِ الْمَعْهُودَةِ، فَهُوَ مُحْتَجِبٌ عَنْ خَلْقِهِ بِأَنْوَارِ عِزِّهِ وَجَلَالِهِ، وَلَوْ كَشَفَ ذَلِكَ الْحِجَابَ، وَتَجَلَّى لِمَا وَرَاءَهُ مِنْ حَقَائِقِ الصِّفَاتِ وَعَظَمَةِ الذَّاتِ لَمْ يَبْقَ مَخْلُوقٌ إِلَّا احْتَرَقَ، وَأَصْلُ الْحِجَابِ السِّتْرُ الْحَائِلُ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ، وَهُوَ هَاهُنَا يَرْجِعُ إِلَى مَنْعِ الْأَبْصَارِ مِنَ الْإِصَابَةِ بِالرُّؤْيَةِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَنْعِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، أَوْ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِذَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى، وَجُمْلَةُ لَوْ كَشَفَهُ إِلَخْ. اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لِمَ خَصَّ حِجَابَهُ بِالنُّورِ، أَوْ لِمَ يَكْشِفُ ذَلِكَ الْحِجَابَ؟ فَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ لَوْ كَشَفَهُ لَاحْتَرَقَ الْعَالَمُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْجُمَلَ السَّابِقَةَ فِعْلِيَّةً مُضَارِعِيَّةً لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ مَعَ الِاسْتِمْرَارِ، وَأَمَّا هَذِهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ فَتَدُلُّ عَلَى الثَّبَاتِ، وَالدَّوَامِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَإِذَا صَفَتِ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ الْكُدُورَاتِ الْبَشَرِيَّةِ فِي دَارِ الثَّوَابِ فَيَرَونَهُ بِلَا حِجَابٍ، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَآهُ فِي الدُّنْيَا لِانْقِلَابِهِ نُورًا كَمَا قَالَ فِي الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي بَشَرِي نُورًا» ) إِلَى قَوْلِهِ: (وَاجْعَلْنِي نُورًا) (مَا انْتَهَى) أَيْ: وَصَلَ (إِلَيْهِ) : الضَّمِيرُ لِمَا (بَصَرُهُ) : تَعَالَى، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي بَصَرِهِ رَاجِعٌ إِلَى مَا، وَهُوَ مَوْصُولٌ مَفْعُولٌ بِهِ لَأَحْرَقَتْ، وَضَمِيرُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ إِلَى وَجْهِهِ تَعَالَى، وَ (مِنْ خَلْقِهِ) :] بَيَانٌ لِمَا، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِأَحْرَقَتَ، وَالْمُرَادُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . قِيلَ: مَعْنَاهُ مَسْبُوكٌ مِنْ مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَهُوَ سَيِّدُ الْأَحَادِيثِ كَمَا أَنَّهَا سَيِّدَةُ الْآيَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>