١٧٠٣ - وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: احْفُرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا، وَأَحْسِنُوا، وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَحْسِنُوا.
ــ
١٧٠٣ - (وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ) أَيِ: ابْنِ أُمَيَّةَ ابْنِ الْخَشْخَاشِ النَّجَّارِيِّ الْأَنْصَارِيِّ، كَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ شِهَابًا، فَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهُ فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَاسْتُشْهِدَ أَبُوهُ عَامِرٌ يَوْمَ أُحُدٍ) ، وَسَكَنَ هِشَامٌ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ فِيهَا، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ. (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ أَيْ: وَقْتَ انْتِهَاءِ غَزْوَتِهِ عِنْدَ إِرَادَةِ دَفْنِ الشُّهَدَاءِ. (احْفُرُوا) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ، وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنَعُوا الدَّفْنَ فِي الْفَسَاقِيِّ، وَبَيَّنُوا أَنَّ فِيهِ مَفَاسِدَ فَلْيُجْتَنَبْ مَا أَمْكَنَ. (وَأَوْسِعُوا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ. (وَأَعْمِقُوا) كَذَلِكَ، وَفِي الْقَامُوسِ: أَعْمَقَ الْبِئْرَ جَعَلَهَا عَمِيقَةً. قَالَ الْمُظْهِرُ أَيِ: اجْعَلُوا عُمْقَهُ قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ إِذَا مَدَّ يَدَهُ، إِلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاعْمِقُوا بِالْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّغْمِيقِ، قُلْتُ: مَا قِيلَ لَا يَصِحُّ هُنَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلرِّوَايَةِ، وَالدِّرَايَةِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا ضُبِطَ فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، وَلِوُجُودِ الْهَمْزَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ ذَكَرَ أَنَّ الْغَمَقَ مُحَرِّكَةً رُكُوبُ النَّدَى الْأَرْضَ، غَمَقَتِ الْأَرْضُ مُثَلَّثَةً فَهِيَ غَمِقَةٌ، كَفَرِحَةٍ ذَاتُ نَدًى، أَوْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمِيَاهِ، وَفِي النِّهَايَةِ: أَرْضٌ غَمِقَةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمِيَاهِ وَالْبُرُوزِ. (وَأَحْسِنُوا) أَيْ: أَحْسِنُوا إِلَى الْمَيِّتِ فِي الدَّفْنِ قَالَهُ فِي الْأَزْهَارِ، وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلْمُظْهِرِ: أَيِ: اجْعَلُوا الْقَبْرَ حَسَنًا بِتَسْوِيَةِ قَعْرِهِ ارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا، وَتَنْقِيَتِهِ مِنَ التُّرَابِ وَالْقَذَاةِ، وَغَيْرِهِمَا.
(وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ لَا بِالنَّقْلِ كَمَا يُتَوَهَّمُ، وَقَوْلُهُمْ: كُلُّ سِرٍّ جَاوَزَ الِاثْنَيْنِ شَاعَ مَنْسُوبٌ إِلَى اللَّحْنِ. (وَالثَّلَاثَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ: مِنَ الْأَمْوَاتِ. (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) قَالَ السَّيِّدُ: الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ ضَرُورَةً، وَلَا يَجُوزُ بِدُونِهَا اهـ. وَالْأَمْرُ فِي الْأَوَّلِ لِلْوُجُوبِ وَفِي الْبَاقِي لِلنَّدْبِ. (وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) أَيْ: إِلَى جِدَارِ اللَّحْدِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فِي الْأَزْهَارِ: الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ، وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى تَعْظِيمِ الْمُعَظَّمِ عِلْمًا وَعَمَلًا، قُلْتُ: حَيًّا وَمَيِّتًا، فَيَكُونُ دَائِمًا إِمَامًا وَأَمَامًا،. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا تَكُونُ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ تَكُونُ عَلَى أَكْثَرَ، فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْجَنَائِزُ إِنْ شَاءَ اسْتَأْنَفَ لِكُلِّ مَيِّتٍ صَلَاةً، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ الْكُلَّ، وَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَهُوَ فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِهِمْ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ وَضَعَهُمْ بِالطُّولِ سَطْرًا وَاحِدًا وَيَقِفُ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَهُمْ وَاحِدًا وَرَاءَ وَاحِدٍ، إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَتَرْتِيبُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَلْفَهُ، حَالَ الْحَيَاةِ، فَيُقَرِّبُ مِنْهُ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ، وَيُبْعِدُ عَنْهُ الْمَفْضُولَ فَالْمَفْضُولَ، وَكُلُّ مَنْ بَعُدَ مِنْهُ كَانَ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَقْرَبَ. قَالَ: وَلَوِ اجْتَمَعُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَوَضَعَهُمْ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ إِلَى الْقِبْلَةِ كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَقْرَبِيَّةَ هُنَا عَلَى بَابِهَا وَأَمَّا قِيَاسُ ابْنِ حَجَرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى حَدِيثِ الْإِمَامَةِ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ هُنَاكَ صَارِفَيْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ، أَوَّلُهُمَا تَقْدِيمُ الصِّدِّيقِ فِي الْإِمَامَةِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ، وَثَانِيهُمَا تَعْلِيلُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْأَفْقَهَ بِمَسَائِلِ الصَّلَاةِ أَوْلَى لِكَثْرَةِ احْتِيَاجِ الْإِمَامِ بِهَا فِي شَرَائِطِهَا، وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ وَاحِدٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ. (وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ إِلَى آخِرِهِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَحْسِنُوا) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute