١٧٠٤ - «وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأَبِي لِتَدْفِنَهُ فِي مَقَابِرِنَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدُّوا الْقَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَلَفْظُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ.
ــ
١٧٠٤ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَتْ عَمَّتِي) فِي الْأَزْهَارِ نَقْلًا عَنِ الْغَوَامِضِ عَمَّةُ جَابِرٍ هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيِّ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ. (بِأَبِي) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ. (لِتَدْفِنَهُ فِي مَقَابِرِنَا) أَيْ: فِي الْمَدِينَةِ. (فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدُّوا الْقَتْلَى) جَمْعُ الْقَتِيلِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ أَيِ: الشُّهَدَاءُ. (إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) أَيْ: مَقَاتِلهِمْ، وَالْمَعْنَى: لَا تَنْقُلُوا الشُّهَدَاءَ مِنْ مَقْتَلِهِمْ بَلِ ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ قُتِلُوا، وَكَذَا مَنْ مَاتَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُنْقَلُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، قَالَهُ فِي بَعْضِ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ: الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُدُّوا الْقَتْلَى لِلْوُجُوبِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَقْلَ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ يَغْلُبُ فِيهِ التَّغَيُّرُ حَرَامٌ، وَكَانَ ذَلِكَ زَجْرًا عَنِ الْقِيَامِ بِذَلِكَ وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ دَلِيلٍ وَأَقْوَى حُجَّةٍ فِي تَحْرِيمِ النَّقْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ السَّيِّدُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَهْيَ النَّقْلِ مُخْتَصٌّ بِالشُّهَدَاءِ، لِأَنَّهُ نُقِلَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مِنْ قَصْرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرُوا كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى نَقْلِهِمْ، بَعْدَ دَفْنِهِمْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ مَضَاجِعِهِمْ، وَلَعَلَّ وَجْهُ تَخَصُّصِ الشُّهَدَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: ١٥٤] وَفِيهِ حِكْمَةٌ أُخْرَى: وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ حَيَاةً وَمَوْتًا، وَبَعْثًا وَحَشْرًا، وَيُتَبَرَّكُ النَّاسُ بِالزِّيَارَةِ إِلَى مَشَاهِدِهِمْ وَيَكُونُ وَسِيلَةً إِلَى زِيَارَةِ جَبَلِ أُحُدٍ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» . قَالَ الْمُظْهِرُ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُنْقَلُ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: هَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، أَيِ ابْتِدَاءِ أُحُدٍ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا، لَمَّا رُوِيَ أَنَّ جَابِرًا جَاءَ بِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي قُتِلَ بِأُحُدٍ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَى الْبَقِيعِ وَدَفَنَهُ بِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إِلَى النَّقْلِ نُقِلَ، وَإِلَّا فَلَا، لِمَا رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا، وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ، وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَهُمَا مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا، فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا، كَأَنَّمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ وَيَدُهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ، وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ الْحَفْرِ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقَوْلُ، لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يَنْقُلُ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يُنْقَلَ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا يُنْبَشُ بَعْدَ إِهَالَةِ التُّرَابِ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ، إِلَّا لِعُذْرٍ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: وَالْعُذْرُ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الْأَرْضَ مَغْصُوبَةٌ، أَوْ يَأْخُذَهَا شَفِيعٌ، وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ الْحَرْبِ، إِذْ لَا عُذْرَ، وَمِنَ الْأَعْذَارِ أَنْ يَسْقُطَ فِي اللَّحْدِ مَالٌ ثَوْبٌ، أَوْ دِرْهَمٌ لِأَحَدٍ، وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ فَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ لِتَجْوِيزِ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ، وَقَدْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ، أَوْ بِلَا صَلَاةٍ فَلَمْ يُبِيحُوهُ لِتَدَارُكِ فَرْضٍ لَحِقَهُ يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ تَسْوِيَةِ اللَّبِنِ فَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ نَحْوَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إِلَى الْمَقَابِرِ قَدْ تَبْلُغُ هَذَا الْمِقْدَارَ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ مَكْرُوهٌ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ كُلٌّ فِي مَقْبَرَةِ الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ بِهَا، وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ، وَحُمِلَ مِنْهَا: وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيكَ إِلَيَّ مَا نَقَلْتُكَ، وَلَدَفَنْتُكَ حَيْثُ مُتَّ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ لَا إِثْمَ، لِمَا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ بِمِصْرَ، وَنُقِلَ عَنْهُ إِلَى الشَّامِ، وَمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِي شُرُوطِ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا إِلَّا انْهُ نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إِلَيْهَا اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute