للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَأَدُّبًا، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ: كِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الشَّرَّ الْمَحْضَ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْكَوْنِ ( «فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقَتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ» ) أَيْ: مِنَ السَّيِّئَاتِ (يَعْمَلُونَ) كَمَا سَبَقَ. وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْعَمَلِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ( «فَقَالَ رَجُلٌ: فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» ) : الْفَاءُ دَخَلَ جَوَابَ الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ، وَفِي: وَقَعَ مَوْقِعَ لَامِ الْفَرْضِ؛ أَيْ: إِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ سَبْقِ الْقَدَرِ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يُفِيدُ الْعَمَلُ، أَوْ بأَيِّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ الْعَمَلُ، أَوْ فَلِأَيِّ شَيْءٍ أُمِرْنَا بِالْعَمَلِ؟ يَعْنِي أَنَّهُ حَيْثُ خُلِقَ لَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَغْيِيرُهُ وَتَبْدِيلُهُ؛ يَسْتَوِي عَمَلُهُ وَتَرْكُهُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا جَبْرًا مَحْضًا مَزَجَهُ بِنَوْعٍ مِنَ الْقَدَرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَمَلِ لِيَعْتَدِلَ الْأَمْرُ الْمُسْتَقِيمُ، وَالدِّينُ الْقَوِيمُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ وَكَسْبِ عَبْدِهِ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ» ) أَيْ: جَعَلَهُ عَامِلًا، وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ (بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَقْوِيَةِ الْجَبْرِ، وَلِذَا لَا يُذَمُّ إِلَّا مَحْضُ الْجَبْرِ ( «حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ) : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَمَلٍ مُقَارِنٍ بِالْمَوْتِ (فَيُدْخِلُهُ بِهِ الْجَنَّةَ) الْإِدْخَالُ بِالْإِفْضَالِ، وَالدَّرَجَاتُ بِالْأَعْمَالِ وَالْخُلُودُ بِالنِّيَّةِ فِي الْأَحْوَالِ. ( «وَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَبْدَ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ بِهِ النَّارَ» ) : الْإِدْخَالُ بِالْعَدْلِ، وَالدَّرَجَاتُ بِالْعَمَلِ، وَالْخُلُودُ بِالنِّيَّةِ، وَطُولِ الْأَمَلِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ ظَاهِرَ الْعَدْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ كَفَرَ سَبْعِينَ سَنَةً أَنْ لَا يُعَذَّبَ زِيَادَةً عَلَيْهَا، فَإِنَّ نِيَّةَ الْكَافِرِ أَنْ لَوْ عَاشَ أَبَدَ الْآبَادِ لَأَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ إِمَّا جَهْلًا، وَإِمَّا عَلَى وَجْهِ الْعِنَادِ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) . وَحَسَّنَاهُ، أَحْمَدُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، والْآجُرِّيُّ. كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْكَبِيرِ؛ فَلِذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>