للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧٤٤ - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ، لَأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ، فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ، إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِي، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخُلِي الشَّيْطَانَ بَيْتًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، وَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ، فَلَمْ أَبْكِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

١٧٤٤ - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. (قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ) أَيْ: زَوْجُهَا الْأَوَّلُ. (قُلْتُ: غَرِيبٌ) أَيْ: هُوَ مَيِّتٌ فِي بِلَادِ الْغُرْبَةِ) ، لِأَنَّهُ كَانَ مَكِّيًّا مِنْ أَصْحَابِ الْهِجْرَةِ. (وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ تَأْكِيدٌ، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا غَرِيبًا أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَهُوَ إِمَّا مَجَازٌ أَوْ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ. (لَأَبْكِيَنَّهُ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ: وَاللَّهِ، لَأَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ. (بُكَاءً) أَيْ: شَدِيدًا. (يُتَحَدَّثُ عَنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهِ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ لِكَمَالِ شِدَّتِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْهَا كَانَ قَبْلَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِ النِّيَاحَةِ. (فَكُنْتُ تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ: بِالْقَصْدِ وَالْعَزِيمَةِ، وَتَهْيِئَةِ أَسْبَابِ الْحُزْنِ مِنَ الثِّيَابِ السُّودِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ: قُلْتُ: أَيْ: قُلْتُ عَقِيبَ مَا تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْقَوْلِ إِلَّا مَعَ الْوَاوِ لِيَكُونَ حَالًا اهـ. وَغَفَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ ذَلِكَ التَّحْقِيقِ فَقَالَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قُلْتُ، أَيْ: عَقِبَ قَوْلِي ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ تَمَامِ التَّهَيُّؤِ. (إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ) ظَرْفٌ لِتَهَيَّأْتُ وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ: حَيْثُ قَالَ: ظَرْفٌ لَقُلْتُ أَيْ: جَاءَتْنِي مِنْ قُبَالَتِي امْرَأَةٌ. (تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِي) أَيْ: تُسَاعِدَنِي فِي الْبُكَاءِ وَمُعَاوَنَتِي فِي النِّدَاءِ. (فَاسْتَقْبَلَهَا) أَيْ: تِلْكَ الْمَرْأَةَ. (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: بَعْدَ عِلْمِهِ مِمَّا هِيَ قَاصِدَةٌ لَهُ. (فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ) أَيْ: أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ بِإِعَانَتِكِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (أَنْ تُدْخِلِي الشَّيطَّانَ) أَيْ: أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِدُخُولِ الشَّيْطَانِ. (بَيْتًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ) أَيِ: الشَّيْطَانَ. (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ، وَأَبْعَدَهُ مِنْ إِغْوَاءِ أَهْلِهِ. (مَرَّتَيْنِ) قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى يَوْمُ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا مُسْلِمًا، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ التَّكْرِيرُ أَيْ: أَخْرَجَهُ اللَّهُ إِخْرَاجًا بَعْدَ إِخْرَاجٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَجْدِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] أَيْ: مَرَّةٌ بَعْدَ مَرَّةٍ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى يَوْمُ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَبِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ يَوْمُ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنَّهُ مِنْ ذَوِي الْهِجْرَتَيْنِ أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرَّتَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بَقَالَ، أَيْ: أَعَادَ هَذَا الْكَلَامَ لِكَمَالِ الِاهْتِمَامِ مَرَّتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَكَفَفْتُ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: فَانْزَجَرْتُ وَمَنَعْتُ نَفْسِي. (عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ) أَيِ: الْبُكَاءَ الْمَذْمُومَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْلُومِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ

) .

<<  <  ج: ص:  >  >>