للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

١٧٧٢ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ أَرْسَلَ (إِلَى الْيَمَنِ) أَيْ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا (فَقَالَ: " إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ") يُرِيدُ بِهِمُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، قَالَ الطِّيبِيُّ: قُيِّدَ قَوْلُهُ قَوْمًا بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَمِنْهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تَفْضِيلًا لَهُمْ، أَوْ تَغْلِيبًا عَلَى غَيْرِهِمْ (فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) لِأَنَّ فِيهِمْ مُشْرِكِينَ (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) فَإِنَّ مُوَحِّدِيهِمْ قَدْ يَكُونُونَ لِرِسَالَتِهِ مُنْكِرِينَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ دَعْوَةِ الْكُفَّارِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ، لَكِنَّ هَذَا إِذَا لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ، أَمَّا إِذَا بَلَغَتْهُمْ فَغَيْرُ وَاجِبَةٍ، لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَافِلُونَ (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ) أَيِ انْقَادُوا أَيْ لِلْإِسْلَامِ (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) قَالَ الْأَشْرَفُ تَبَعًا لِزَيْنِ الْعَرَبِ: يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ، بَلْ بِالْأُصُولِ فَقَطْ، وَذَلِكَ لِتَعْلِيقِهِ الْإِعْلَامَ بِالْوُجُوبِ عَلَى الطَّاعَةِ لِلْإِيمَانِ، وَقَبُولِ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، بِفَاءِ الْجَزَاءِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا إِشْعَارَ لِأَنَّ الْمُتَرَتِّبَ الْإِعْلَامُ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ بِالْإِتْيَانِ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا لَا يُخَاطَبُ بِهِ الْكُفَّارُ، لِأَنَّ الْقَائِلَ بِتَكْلِيفِهِمْ بِهَا إِنَّمَا يَقُولُ إِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِرَةِ فَقَطْ، حَتَّى يُعَاقَبَ عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٦ - ٧] ، {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] الْآيَتَيْنِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، لَكِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَنَحْوَهُ كَالْعِيدَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، إِذْ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِفَرْضِيَّةِ الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ أَحَدٌ إِجْمَاعًا، وَالْمَفْهُومُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا، بَلْ مَفْهُومُ الْعَدَدِ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ اتِّفَاقًا مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي بَيَانَ الْأَحْكَامِ إِجْمَاعًا، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ بِهِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ اقْتِصَارًا، وَمِنَ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْخَمْسِ مَعَ فَرْضِيَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كِفَايَةً، فِي صُورَةٍ وَعَيْنًا فِي أُخْرَى اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا صَلَاةُ الْوَتْرِ مِنْ تَوَابِعِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مُلْحَقَةٌ بِهَا، فَذِكْرُهَا مُشْعِرٌ بِذِكْرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا وَجَبَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا، كَمَا لَمْ يَذْكُرِ الصَّوْمَ مَعَ أَنَّهُ فُرِضَ قَبْلَ الزَّكَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ) أَيْ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ (فَأَعْلِمْهُمْ) لِيَكُونَ الْحُكْمُ تَدْرِيجِيًّا عَلَى وَفْقِ مَا نَزَلْ بِهِ التَّكْلِيفُ الْإِلَهِيُّ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ أَيْسَرُ مِنَ الْإِطَاعَةِ الْمَالِيَّةِ أَيْ فَأَخْبِرْهُمْ (أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ) أَيْ بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ، وَشُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوُجُوبِ (صَدَقَةً) أَيْ زَكَاةً لِأَمْوَالِهِمْ (تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطِّفْلَ يَجِبُ فِي مَالِهِ الزَّكَاةُ اهـ وَزَادَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَجْنُونَ، وَفِيهِ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِمْ (فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) أَيْ إِنْ وُجِدُوا، وَكُرِهَ النَّقْلُ، وَسَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَرَاءَةِ سَاحَتِهِ وَصَحَابَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الطَّمَعِ، لِدَفْعِ تَوَهُّمِ اللِّئَامِ لِأَنَّهُ خِلَافُ دَأْبِ الْكِرَامِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَدْفُوعَ عَيْنُ الزَّكَاةِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ نَقْلَ الزَّكَاةِ عَنْ بَلَدِ الْوُجُوبِ لَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ، بَلْ صَدَقَةُ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِمُسْتَحِقِّ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُقِلَتْ وَأُدِّيَتْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ، إِلَّا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ رَدَّ صَدَقَةً نُقِلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الشَّامِ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ خُرَاسَانَ اهـ وَفِيهِ أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ، بَلْ فَعَلَهُ إِظْهَارًا لِكَمَالِ الْعَدْلِ، وَقَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ دَفْعَ الْمَالِ إِلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا، بَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، وَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ لَقُلْنَا بِجَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى الذِّمِّيِّ، أَيْ كَمَا قُلْنَا بِجَوَازِ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إِلَيْهِمْ، لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>