وَقْتِ الْقَحْطِ أَوْ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ أَوْ عَلَى وُجُوبِ ضِيَافَةِ الْمَالِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قِيلَ: إِنَّ حَقَّهَا الْأَوَّلُ أَعَمُّ مِنَ الثَّانِي، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعْذِيبَ عَلَيْهِمَا مَعًا تَغْلِيظٌ (إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ (بُطِحَ) أَيْ أُلْقِيَ ذَلِكَ الصَّاحِبُ عَلَى وَجْهِهِ (لَهَا) أَيْ لِتِلْكَ الْإِبِلِ، وَفِي نُسْخَةٍ لَهُ: أَيْ لِإِبِلِهِ أَوْ لِفِعْلِهِ، أَوْ أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَهُ بِالتَّذْكِيرِ وَهُوَ خَطَأٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ فِي الْفِعْلِ لِصَاحِبِ الْإِبِلِ وَالْمَجْرُورَ لِلْإِبِلِ لِيَسْتَقِيمَ، وَلِأَنَّ الْمَبْطُوحَ الْمَالِكُ لَا الْإِبِلُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَّا التَّمَسُّكُ بِالرِّوَايَةِ فَمُسْتَقِيمٌ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ الضَّمِيرُ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ، أَوْ لِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِصَاحِبِ الْإِبِلِ، وَيَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ قَائِمًا مَقَامَ الْفَاعِلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: ٣٦] (بِقَاعٍ) أَيْ فِي أَرْضٍ وَاسِعَةٍ مُسْتَوِيَةٍ (قَرْقَرٍ) أَيْ أَمْلَسَ، وَقِيلَ: أَيْ مُسْتَوٍ فَيَكُونُ صِفَةً مُؤَكِّدَةً (أَوْفَرَ مَا كَانَتْ) أَيْ أَكْثَرَ عَدَدًا وَأَعْظَمَ سِمَنًا، وَأَقْوَى قُوَّةً، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يُرِيدُ كَمَالَ حَالِ الْإِبِلِ، الَّتِي وَطِئَتْ صَاحِبَهَا فِي الْقُوَّةِ وَالسِّمَنِ، لِيَكُونَ أَثْقَلَ لِوَطْئِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْفَرُ مُضَافٌ إِلَى مَا الْمَصْدَرِيَّةِ، وَالْوَقْتُ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَجْرُورِ فِي لَهَا، وَالْعَامِلُ بُطِحَ، وَقَوْلُهُ (لَا يَفْقِدُ) أَيِ الصَّاحِبُ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْإِبِلِ (فَصِيلًا) أَيْ وَلَدَ إِبِلٍ (وَاحِدًا) تَأْكِيدٌ وَالْجُمْلَةُ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ أَوْفَرَ (تَطَؤُهُ) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَيْ تَضْرِبُهُ وَتَدُوسُهُ الْإِبِلُ (بِأَخْفَافِهَا) أَيْ بِأَرْجُلِهَا (وَتَعَضُّهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ تَقْرِضُهُ وَتَقْطَعُ جِلْدَهُ (بِأَفْوَاهِهَا) أَيْ بِأَسْنَانِهَا (كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا) أَيْ أُولَى الْأَبِلِ (رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا) قَالُوا: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ عَكْسُ ذَلِكَ، كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا، وَتَوْجِيهُ مَا فِي الْكِتَابِ إِنَّهُ مَرَّتِ الْأُولَى عَلَى التَّتَابُعِ فَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْأُخْرَى إِلَى الْغَايَةِ رُدَّتْ مِنْ هَذِهِ الْغَايَةِ، وَتَبِعَهَا مَا كَانَ يَلِيهَا فَمَا يَلِيهَا، إِلَى أَوَّلِهَا فَيَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ وَالتَّتَابُعِ عَلَى طَرِيقِ الطَّرْدِ، وَالْعَكْسِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْصُلُ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ) فَكَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعِبَادِ، حَيْثُ لَمْ يَرْحَمُوا فُقَرَاءَ الْبِلَادِ مِنَ الزُّهَّادِ وَالْعِبَادِ (فَيُرَى) أَيْ فَيُعْلَمُ (سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ) إِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ (وَإِمَّا إِلَى النَّارِ) إِنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرَانِ (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟) أَيْ كَيْفَ حَالُ صَاحِبِهَا (قَالَ: " وَلَا صَاحِبُ بَقْرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا ") أَيْ مِنْ أَجْلِهَا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهَا (حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا) وَفِي نُسْخَةٍ لَهُ (بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ ذَوَاتِهَا وَصِفَاتِهَا (شَيْئًا) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ قُرُونُهَا سَلِيمَةٌ (لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ) أَيْ مُلْتَوِيَةُ الْقَرْنَيْنِ (وَلَا جَلْحَاءُ) أَيْ لَا قَرْنَ لَهَا (وَلَا عَضْبَاءُ) أَيْ مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ، وَنَفْيُ الثَّلَاثَةِ عِبَارَةٌ عَنْ سَلَامَةِ قُرُونِهَا لِيَكُونَ أَجْرَحَ لِلْمَنْطُوحِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِيهَا مَعْدُومَةٌ فِي الْعُقْبَى، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَهَا الدُّنْيَا، وَظَاهِرُ الْبَعْثِ أَنْ يُعِيدَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَعَلَّهُ يَخْلُقُهَا أَوَّلًا كَمَا كَانَتْ، ثُمَّ يُعْطِيهَا الْقُرُونَ لِيَكُونَ سَبَبًا لِعَذَابِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّدَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْطَحُهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتُكْسَرُ فِي الْقَامُوسِ نَطَحَهُ كَمَنَعَهُ وَضَرَبَهُ أَصَابَهُ بِقَرْنِهِ فَقَوْلُهُ (بِقُرُونِهَا) إِمَّا تَأْكِيدٌ وَإِمَّا تَجْرِيدٌ (وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا) جَمْعُ ظِلْفٍ وَهُوَ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ بِالْفَرَسِ (كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَالْخَيْلُ، قَالَ: " فَالْخَيْلُ ") قَالَ الطِّيبِيُّ: جَوَابٌ عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، وَلَهُ تَوْجِيهَانِ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَعْنَاهُ دَعِ السُّؤَالَ عَنِ الْوُجُوبِ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَلَكِنِ اسْأَلْ عَمَّا يَرْجِعُ مِنِ اقْتِنَائِهَا عَلَى صَاحِبِهَا مِنَ الْمَضَرَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَعَلَى مَذْهَبٍ: مَعْنَاهُ لَا تَسْأَلْ عَمَّا وَجَبَ فِيهَا مِنَ الْحُقُوقِ، وَحْدَهُ، بَلِ اسْأَلْ عَنْهُ وَعَمَّا يَتَّصِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute