بِهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ، إِلَى صَاحِبِهَا، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ؟ قُلْتُ: بِعَطْفِ الرِّقَابِ عَلَى الظُّهُورِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّقَابِ الذَّوَاتُ، إِذْ لَيْسَ فِي الرِّقَابِ مَنْفَعَةٌ لِلْغَيْرِ، كَمَا فِي الظُّهُورِ، وَبِمَفْهُومِ الْجَوَابِ الْآتِي فِي الْحُمُرِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْزَلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ» ، وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ: بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا أَدَاءُ زَكَاةِ تِجَارَتِهَا اهـ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ فَالْخَيْلُ مَا حُكْمُهَا؟ أَيَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ فَيُعَاقَبَ تَارِكُهَا لِذَلِكَ، أَوْ لَا فَلَا، قَالَ: فَالْخَيْلُ أَحْكَامُهَا ثَلَاثَةٌ أُخْرَى، أَيْ غَيْرُ مَا مَرَّ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يُعَاقَبَ تَارِكُهَا، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ الَّذِي يَكَادُ أَنْ يَقْرُبَ مِنَ الصَّرِيحِ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدَقُّ مُسْكَةٍ مِنْ إِنْصَافٍ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا، قُلْتُ: أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ السِّيَاقِ فَهُوَ مِنَ الْمُكَابَرَةِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ لِأَنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ، بَلْ مَحْضُ الْمَقْصُودِ، وَالْمَرَامُ هُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي النُّقُودِ وَالْحَيَوَانَاتِ ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ تَقْرِيرِهِ لَا يَكُونُ الْجَوَابُ مُطَابِقًا بَلْ وَلَا يَكُونُ دَلِيلًا لِأَحَدٍ مُطْلَقًا، فَلِهَذَا حَمَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، وَنَزَّلُوهُ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بِمَا يَقْتَضِيهِ الطَّبْعُ السَّلِيمُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهَا فِيهَا التَّقْدِيرُ أَحْكَامُهَا ثَلَاثَةٌ غَيْرَ الزَّكَاةِ، فَهُوَ مِمَّا يَنْبُو عَنْهُ اللَّفْظُ، فَلَا يُسْمَعُ اهـ وَهَلْ هَذَا مُنَاقَضَةٌ بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَمُدَافَعَةٌ بَيْنَ تَقْدِيرَيْهِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الثَّانِيَ هُوَ عَيْنُ الْأَوَّلِ عِنْدَ مَنْ لَهُ سَمْعٌ وَقَلْبٌ، فَتَأَمَّلْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَا زَكَاةَ فِيهَا فَبَاطِلٌ مِنْ عِنْدِهِ تَقْوِيَةٌ لِمَذْهَبِهِ، ثُمَّ أَطَالَ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّلَلِ، وَأَصْنَافِ الْخَطَلِ أَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِهَا خَوْفًا مِنَ السَّآمَةِ وَالْمَلَلِ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ رَبَطَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ (هِيَ) أَيِ الْخَيْلُ (لِرَجُلٍ وِزْرٌ) أَيْ ثِقَلٌ وَإِثْمٌ (وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ) أَيْ لِحَالِهِ فِي مَعِيشَتِهِ لِحِفْظِهِ عَنِ الِاحْتِيَاجِ وَالسُّؤَالِ (وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ " فَالْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ ": فِيهِ جَمْعٌ وَتَفْرِيقٌ وَتَقْسِيمٌ، أَمَّا الْجَمْعُ فَقَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ، وَأَمَّا التَّفْرِيقُ فَقَوْلُهُ (فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فَخَيْلٌ رَبَطَهَا، أَوْ يُقَالَ: وَأَمَّا الَّذِي لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَخَيْلُ رَجُلٍ (رَبَطَهَا رِيَاءً) بِالْهَمْزِ وَيُبْدَلُ أَيْ لِيَرَى النَّاسُ عَظَمَتَهُ فِي رُكُوبِهِ، وَحِشْمَتِهِ (وَفَخْرًا) أَيْ يَفْتَخِرُ بِاللِّسَانِ عَلَى مَنْ دُونِهُ مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ (وَنِوَاءً) بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ وَالْوَاوِ بِمَعْنًى أَوْ أَيْ مُنَازَعَةً وَمُعَادَاةً (عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَفِي رِوَايَةٍ: رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، أَيِ اسْتِغْنَاءً بِهَا، وَطَلَبًا لِنِتَاجِهَا، وَتَعَفُّفًا عَنِ السُّؤَالِ، يَعْنِي لِيَرْكَبَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَا يَسْأَلُ مَرْكُوبًا مِنْ أَحَدٍ اهـ كَلَامُهُ وَأَنْتَ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مُوجِبًا لِلْوِزْرِ، بَلْ لِلسِّتْرِ بِلَا خِلَافٍ، فَالصَّوَابُ أَنَّ مَحَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الرَّجُلِ الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي (فَهِيَ) أَيْ تِلْكَ الْخَيْلُ (لَهُ وِزْرٌ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ فَهِيَ جُمْلَةٌ مُؤَكِّدَةٌ مُشْعِرَةٌ بِاهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِهِ، وَالتَّحْذِيرِ عَنْهُ (وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِيُجَاهِدَ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ: مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ الْجِهَادُ، بَلِ النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ، إِذْ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ اهـ وَأَيْضًا إِذَا أَرَادَ بِهِ الْجِهَادَ فَتَكُونُ لَهُ أَجْرًا، فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهَا لَهُ سِتْرٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ غَيْرِهِ: وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيَا وَتَعَفُّفًا، أَيِ اسْتِغْنَاءً بِهَا وَتَعَفُّفًا عَنِ السُّؤَالِ، أَوْ هُوَ أَنْ يَطْلُبَ بِنِتَاجِهَا الْعِفَّةَ وَالْغِنَى، أَوْ يَتَرَدَّدَ عَلَيْهَا مُتَاجَرَةً وَمُزَارِعَةً فَتَكُونَ سِتْرًا لَهُ يَحْجِبُهُ عَنِ الْفَاقَةِ (ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا) أَيْ بِالْعَارِيَةِ لِلرُّكُوبِ أَوِ الْفَحْلِ (وَلَا رِقَابِهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: إِمَّا تَأْكِيدٌ وَتَتِمَّةٌ لِلظُّهُورِ وَإِمَّا دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا اهـ وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ، إِذِ الْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايِرَةُ فَيَكُونُ كَالْإِبِلِ فِيهَا حَقَّانِ (فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ) أَيْ حِجَابٌ يَمْنَعُهُ عَنِ الْحَاجَةِ لِلنَّاسِ (وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِهَادُ، فَإِنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ إِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ (فِي مَرْجٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ مَرْعًى، فِي النِّهَايَةِ، هُوَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ، ذَاتُ نَبَاتٍ كَثِيرٍ، يَمْرُجُ فِيهَا الدَّوَابُّ أَيْ تَسْرَحُ، وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِرَبَطَ (وَرَوْضَةٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوِ الرَّوْضَةُ أَخَصُّ مِنَ الْمَرْعَى، وَفِي نُسْخَةِ الْمَصَابِيحِ بِلَفْظِ: أَوْ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَمَا أَكَلَتْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute