أَيِ الْخَيْلُ (مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ) بَيَانٌ مُقَدَّمٌ (أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ) أَيْ مِنَ الْعَلَفِ وَالْأَزْهَارِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ) أَيِ الَّذِي أَكَلَتْهُ مِنَ الْعُشْبِ وَالزَّرْعِ (حَسَنَاتٌ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَنَصَبَ عَدَدَ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِعَدَدِ مَأْكُولَاتِهَا (وَكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٌ) لِأَنَّ بِهَا بَقَاءَ حَيَاتِهَا مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا قَبْلَ الِاسْتِحَالَةِ غَالِبًا مِنْ مَالِ مَالِكِهَا (وَلَا تَقْطَعُ) أَيِ الْخَيْلُ (طِوَلَهَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ حَبْلَهَا الطَّوِيلَ الَّذِي شُدُّ أَحَدُ طَرَفَيْهِ فِي يَدِ الْفَرَسِ وَالْآخَرُ فِي وَتَدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَدُورَ فِيهِ وَتَرْعَى مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا تَذْهَبُ لِوَجْهِهَا (فَاسْتَنَّتْ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ عَدَتْ وَمَرَجَتْ وَنَشِطَتْ لِمَرَاحِهَا أَوْ نَشَاطِهَا (وَلَا رَاكَبَ عَلَيْهَا شَرَفًا) أَيْ شَوْطًا أَوْ مَيْدَانًا أَوْ مَوْضِعًا عَالِيًا مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ ذَهَابًا إِلَى إِخْرَاجِ الْمَرْجِ أَوْ مَعَ الْعَوْدِ إِلَى مَحَلِّهَا (أَوْ شَرَفَيْنِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَرَفًا لِأَنَّ الدَّابَّةَ تَعْدُو حَتَّى تَبْلُغَ شَرَفًا مِنَ الْأَرْضِ أَيْ مُرْتَفَعًا فَتَقِفُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقْفَةً، ثُمَّ تَعْدُو مَا بَدَا لَهَا (إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا) أَيْ بِعَدَدِ خُطَاهَا (وَأَرْوَاثِهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ (حَسَنَاتٌ) وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالرَّوْثِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْبَوْلَ أَوْ أَسْقَطَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْهُ (وَلَا مَرَّ بِهَا) أَيْ جَاوَزَهَا (صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا (فَشَرِبَتْ مِنْهُ) أَيِ الْخَيْلُ (وَلَا يُرِيدُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَنْوِي (أَنْ يَسْقِيَهَا) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا (إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي اعْتِدَادِ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ إِذَا اعْتَبَرَ مَا تَسْتَقْذِرُهُ النُّفُوسُ وَتَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ فَكَيْفَ بِغَيْرِهَا، وَكَذَا إِذَا احْتَسَبَ مَا لَا نِيَّةَ لَهُ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَا بَالُ مَا إِذَا قَصَدَ الِاحْتِسَابَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُجْعَلُ لِمَالِكِهَا بِجَمِيعِ حَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتِهَا وَفَضَلَاتِهَا حَسَنَاتٌ (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحُمُرُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ حِمَارٍ أَيْ مَا حُكْمُهَا؟ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ هَلْ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ (قَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (الْفَاذَّةُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ الْمُنْفَرِدَةُ فِي مَعْنَاهَا (الْجَامِعَةُ) لِجَمِيعِ الْخَيْرَاتِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ مِثْلُهَا فِي قِلَّةِ الْأَلْفَاظِ وَجَمْعِ مَعَانِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: سُمِّيَتْ جَامِعَةً لِاشْتِمَالِ اسْمِ الْخَيْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ: فَرَائِضِهَا وَنَوَافِلِهَا، وَاسْمِ الشَّرِّ عَلَى مَا يُقَابِلُهَا مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيِ الْجَامِعَةُ أَوِ الْمُنْفَرِدَةُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى سَهْوٍ فِي أَصْلِهِ مِنْ سُقُوطِ لَفْظِ الْجَامِعَةِ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) أَيْ مِقْدَارَ نَمْلَةٍ أَوْ ذَرَّةٍ مِنَ الْهَبَاءِ الطَّائِرِ فِي الْهَوَاءِ (خَيْرًا يَرَهُ) أَيْ يَرَى ثَوَابَهُ وَجَزَاءَهُ {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] فَلَوْ أَعَانَ وَاحِدًا عَلَى رُكُوبِهَا يُثَابُ، وَلَوِ اسْتَعَانَ بِرُكُوبِهَا عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ يُعَاقَبُ، فَقَدْ رَوَى الْأَصْفَهَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «النَّادِمُ يَنْظُرُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةَ، وَالْمُعْجَبُ يَنْظُرُ مِنَ اللَّهِ الْمَقْتَ، وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ سَيَنْدَمُ عَمَلَهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى حُسْنَ عَمَلِهِ، وَسُوءَ عَمَلِهِ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَطِيَّتَانِ، فَأَحْسِنُوا السَّيْرَ عَلَيْهِمَا إِلَى الْآخِرَةِ، وَاحْذَرُوا التَّسْوِيفَ، فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً، وَلَا يَغْتَرَنَّ أَحَدُكُمْ بِحِلْمِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مَنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» " (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute