للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ: مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ ثُبُوتٌ فِيمَا لَا صَدَقَةَ فِيهِ، أَيْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ وَالْجَمْعَ كَيْلَا تَثْبُتَ الصَّدَقَةُ فِي مَا لَا صَدَقَةَ فِيهِ وَاجِبَةً، كَمَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَانِينَ حَيْثُ تَجِبُ ثِنْتَانِ، وَالْوَاجِبُ فِيهَا لَيْسَ إِلَّا وَاحِدَةً، أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِشْرِينَ لِرَجُلَيْنِ لِتَجِبَ وَاحِدَةٌ، وَالْوَاقِعُ أَنْ لَا وُجُوبَ فِيهَا (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، أَصْلُهُ وَرِقٌ، وَهُوَ الْفِضَّةُ، حُذِفَ مِنْهُ الْوَاوُ، وَعَوَّضَ عَنْهَا التَّاءُ، كَمَا فِي عِدَةٍ وَدِيَةٍ (رُبْعُ الْعُشْرِ) بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونِ الثَّانِي، وَضَمِّهِمَا فِيهِمَا يَعْنِي إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَرُبْعُ الْعُشْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَرَّ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا لِلْغَالِبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ خَبَرُ الدِّينَارِ أَيِ الْمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، قَالَ: هَذَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَفِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهِ، وَإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى مَعْنَاهُ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِسْنَادِ فِيهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْمِثْقَالُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ الْمُعْتَدِلِ خُمُسَا حَبَّةٍ، وَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةٍ، وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ اهـ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ زِنَةُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَالْمِثْقَالُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شُعَيْرَاتٍ مُتَوَسِّطَاتٍ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيِ الرِّقَةُ الَّتِي عِنْدَهُ (إِلَّا تِسْعِينَ) أَيْ دِرْهَمًا (وَمِائَةً) أَيْ دَرَاهِمَ، وَالْمَعْنَى إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ نَاقِصَةً عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ) أَيْ لَا يَجِبُ إِجْمَاعًا (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) أَيْ يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَ مَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ، فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ فِيهَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، هَذَا يُوهِمُ أَنَّهَا إِذَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَتِمَّ مِائَتَيْنِ كَانَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ تِسْعِينَ لِأَنَّهُ آخِرُ فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الْمِائَةِ، وَالْحِسَابُ إِذَا جَاوَزَ الْمِائَةَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْفُصُولِ وَالْعَشَرَاتِ، وَالْمِئَاتِ وَالْأُلُوفِ، فَذَكَرَ التِّسْعِينَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيمَا نَقَصَ عَنْ كَمَالِ الْمِائَتَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» "، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ أَنَّ دَلَالَةَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَقَلِّ مَا نَقَصَ مِنَ النِّصَابِ إِنَّمَا يَتِمُّ بِحَدِيثِ " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» "، وَيُسَمَّى هَذَا فِي الْأُصُولِ النَّصَّ الْمُقَيَّدَ بِمُفَارَقَةِ نَصٍّ آخَرَ، وَيَنْصُرُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، لَكِنْ إِذَا ضُمَّ مَعَهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: مُقَطَّعًا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَهُوَ كِتَابٌ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَزَادَ فِيهِ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَقَدْ يُوهِمُ لَفْظُ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِيهِ الِانْقِطَاعَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، وَمِنَ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>