للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُتَّجِهٍ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ (وَلَا يَجْمَعُ) نَفْيُ مَجْهُولٍ (بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ) بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ (بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) نُصِبُ عَلَى الْعِلَّةِ رَاجِعَةً إِلَيْهِمَا، أَيْ مَخَافَةَ تَقْلِيلِهَا، وَتَكْثِيرِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْ خَشْيَةَ فَوْتِ الصَّدَقَةِ وَتَقْلِيلِهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ خَشْيَةَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ أَوْ كَثْرَتِهَا إِنْ رَجَعَ لِلْمَالِكِ وَخَشْيَةَ سُقُوطِ الصَّدَقَةِ أَوْ قِلَّتِهَا إِنْ رَجَعَ إِلَى السَّاعِي، قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: النَّهْيُ لِلسَّاعِي عَنْ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَةِ مِثْلَ أَنْ يَجْمَعَ أَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ، وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمِعَةِ مِثْلَ أَنْ يُفَرِّقَ مِائَةً وَعِشْرِينَ لِرَجُلٍ أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ، لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالنَّهْيُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَجْمَعَ أَرْبَعِينَهُ مَثَلًا إِلَى أَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ لِتَقْلِيلِ الصَّدَقَةِ، وَأَنْ يُفَرِّقَ عِشْرِينَ لَهُ مَخْلُوطًا بِعِشْرِينَ لِغَيْرِهِ لِسُقُوطِهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا نَهْيٌ لِلْمَالِكِ، وَالسَّاعِي جَمِيعًا، نَهَى رَبَّ الْمَالِ عَنِ الْجَمْعِ، وَالتَّفْرِيقِ قَصْدًا إِلَى تَكْثِيرِ الصَّدَقَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَأْتِي هَذَا فِي صُوَرٍ أَرْبَعٍ أَشَارَ إِلَيْهَا الْقَاضِي بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِلْمَالِكِ عَنِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ قَصْدًا إِلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ، أَوْ تَقْلِيلِهَا ; كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَيَخْلِطُهَا بِأَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ لِيَعُودَ وَاجِبُهُ مِنْ شَاةٍ إِلَى نِصْفِهَا، وَكَمَا إِذَا كَانَ لَهُ عِشْرُونَ شَاةً مَخْلُوطَةً بِمِثْلِهَا فَفَرَّقَهَا لِئَلَّا يَكُونَ نِصَابًا، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ نُهِيَ السَّاعِي أَنْ يُفَرِّقَ الْمَوَاشِيَ عَلَى الْمَالِكِ فَيَزِيدَ الْوَاجِبُ، كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً وَوَاجِبُهَا شَاةٌ فَفَرَّقَهَا السَّاعِي أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ لِتَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ تَزِيدَ كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً مُتَفَرِّقَةٌ فَجَمَعَهَا السَّاعِي لِيَأْخُذَ شَاةً أَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَصِيرَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَ شِيَاهٍ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْخَلْطَةَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا تَأْثِيرًا كَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ ( «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» ) يُعَضِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ اهـ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ إِذْ يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشَارَكَةِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ بِالسَّوِيَّةِ أَيْ بِالْعَدَالَةِ بِمُقْتَضَى الْحِصَّةِ، فَيَشْمَلُ أَنْوَاعَ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَكُونُ مُنَاصَفَةً، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مِثْلَ أَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسُ إِبِلٍ فَأَخَذَ السَّاعِي وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا شَاةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إِذَا ظَلَمَ وَأَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: قَوْلُهُ مَا كَانَ إِلَخْ أَيِ الْوَاجِبُ الَّذِي أَخَذَ السَّاعِي مِنَ الْخَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، أَمَّا الرُّجُوعُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَائِلُ بِأَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْطَةِ فِي حُكْمِ الصَّدَقَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمِلْكُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَمِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ السَّاعِي شَاتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَائِعَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَثْلَاثًا قَبْلَ قِسْمَتِهِمَا الْأَغْنَامَ فَالْمَأْخُوذُ مَنْ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ شَاةٌ وَثُلُثٌ، وَوَاجِبُهُ فِي الثَّمَانِينَ شَاةٌ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَا شَاةٍ، وَوَاجِبُهُ فِي أَرْبَعِينَ شَاةٌ، فَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ بِالسَّوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِ شَاةٍ، حَتَّى تَرْجِعَ حِصَّةٌ مِنْ ثَمَانِينَ شَاةٍ إِلَى تِسْعٍ وَسَبْعِينَ، وَحِصَّةُ صَاحِبِهِ مِنْ أَرْبَعِينَ إِلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ خَلْطَةُ الْجِوَارِ ثَلَاثُونَ بَقَرًا وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ، وَأَخَذَ السَّاعِي تَبِيعًا مِنْ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ، وَمُسِنَّةً مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ، فَيَرْجِعُ الْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ تَبِيعٍ عَلَى الثَّانِي، وَيَرْجِعُ الثَّانِي بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ الْمُسِنَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَخَذَ بِالْعَكْسِ رَجَعَا بِالْعَكْسِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ، وَفِي خَلْطِ الشُّيُوعِ يَرْجِعُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَقَدِ اشْتَمَلَ كِتَابُ الصِّدِّيقِ وَكِتَابُ عُمَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَهِيَ مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ إِذَا كَانَ مَبْنَى بَعْضِ الْخِلَافِ، وَذَلِكَ إِذْ كَانَ النِّصَابُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، وَصَحَّتِ الْخَلْطَةُ بَيْنَهُمْ، بِاتِّحَادِ الْمَسْرَحِ وَالْمَرَاحِ، وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ، وَالْمُحْلَبِ، تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. . . " الْحَدِيثَ، وَفِي عَدَمِ الْوُجُوبِ تَفْرِيقُ الْمُجْتَمِعِ، وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ، فَفِي الْوُجُوبِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُتَفَرِّقَةِ إِذِ الْمُرَادُ الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْأَمْلَاكِ لَا الْأَمْكِنَةِ، أَلَا يُرَى أَنَّ النِّصَابَ الْمُفَرَّقَ فِي أَمْكِنَةٍ مَعَ وَحْدَةِ الْمِلْكِ يَجِبُ فِيهِ، وَمَنْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً لَيْسَ لِسَاعٍ أَنْ يَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ، بِأَنْ يُفَرِّقَهَا فِي مَكَانَيْنِ، فَمَعْنَى لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ السَّاعِي بَيْنَ الثَّمَانِينَ مَثَلًا، أَوِ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، لِيَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ، وَثَلَاثَةً، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ أَيْ لَا يُجْمَعُ مَثَلًا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْمِلْكِ بِأَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً لِيَجْعَلَهَا نِصَابًا، وَالْحَالُ أَنَّ لِكُلِّ عِشْرِينَ، قَالَ: وَمَا كَانَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ إِلَخْ قَالُوا: أَرَادَ بِهِ إِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِحْدَى وَسِتُّونَ مَثَلًا مِنَ الْإِبِلِ، لِأَحَدِهِمَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ، وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا بِنْتَ لَبُونٍ، وَبِنْتَ مَخَاضٍ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةِ مَا أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْ مِلْكِهِ زَكَاةَ شَرِيكِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>