إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللَّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا
وَهُوَ كَثِيرٌ، هَذَا لَوْ لَمْ يَجِئْ شَيْءٌ مِنْ أَلْفَاظِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ (عَنْ) كَيْلَا يُنَافِيَهُ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ فَكَيْفَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ صَرَّحَ بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ) وَهُوَ يَعُمُّ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ حَالَ كَوْنِهِمْ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: حَالٌ مِنَ الْعَبْدِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِطْرَةُ الْعَبْدِ الْكَافِرِ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: يَجِبُ لِلْإِطْلَاقِ وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا " «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، نِصْفَ صَاعٍ مَنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ» "، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَمَّا الْحَدِيثُ فَضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الصَّحِيحِ يُوجِبُهَا فِي الْكَافِرِ، وَالتَّقْيِيدُ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُعَارِضُهُ، لِمَا عُرِفَ مِنْ عَدَمِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْأَسْبَابِ لِأَنَّهُ لَا تَزَاحُمَ فِيهَا فَيُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِمَا فَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ سَبَبًا، بِخِلَافِ وُرُودِهَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، هَذَا وَتَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ دُونَ زَوْجِهَا عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنِ الْخُرُوجِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنِ الْيَوْمِ خِلَافٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ نَدْبًا خَبَرُ الْحَسَنِ: «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ إِنَّ الْأَمْرَ هَاهُنَا لِلْوُجُوبِ وَإِنْ قَوَّاهُ جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا. اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ خَبَرَ الْحَسَنِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ إِلَّا أَنَّ جَمَاعَةً ادَّعَوْا أَنَّ إِخْرَاجَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَفْضَلُ إِجْمَاعًا، ثُمَّ مِمَّا يُؤَكِّدُونَ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ جَوَازُ التَّقَدُّمِ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ بَعْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ قَدَّمُوهَا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ، لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ، يَعْنِي الرَّأْسَ الَّذِي يُمَوِّنُهُ، وَيَلِي عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ، وَفِيهِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ، إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَابُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بِإِذْنٍ سَابِقٍ، فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ مِمَّا لَمْ يُعْقَلْ، فَلَمْ يَكُونُوا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ إِلَّا بِسَمْعٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ: عِنْدَ قَوْلِهِ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ خَلَفٍ، وَكَذَا الشَّافِعِيُّ بِجَوَازِ تَعْجِيلِهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَلَا فِطْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَعَمَّا قِيلَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ لَا قَبْلَهُ، وَمَا قِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ لَا قَبْلَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ أَصْلًا، اهـ. وَكَأَنَّهُ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسِّمُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى الْمُصَلَّى وَيَقُولُ: " «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» " اهـ وَفِي رِوَايَةٍ " أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ " وَلَعَلَّ الْأَمْرَ بِالْإِغْنَاءِ لِئَلَّا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا أَمْرَهُ وَفِعْلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا تَقَدَّمَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute