للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٤ - وَعَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

١٠٤ - (وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ) : هَذَا نَفْيُ أَصْلِ الْإِيمَانِ أَيْ: لَا يُعْتَبَرُ مَا عِنْدَهُ مِنَ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ (حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدَ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى يُؤْمِنَ، وَقِيلَ: مَرْفُوعٌ تَفْصِيلٌ لِمَا سَبَقَهُ؛ أَيْ: يَعْمَلُ، وَيَتَيَقَّنُ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) ؛ أَيْ: يُؤْمِنُ بِالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَعَدَلَ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ أَمْنًا مِنَ الْإِلْبَاسِ بِأَنْ يَشْهَدَ، وَلَمْ يُؤْمِنْ، أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْكَانِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يَشْهَدُ بِاللِّسَانِ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ بِالْجَنَانِ، أَوْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالظَّوَاهِرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ. (بَعَثَنِي بِالْحَقِّ) : اسْتِئْنَافٌ كَأَنَّهُ قِيلَ لَمْ يَشْهَدْ؛ فَقَالَ: بَعَثَنِي بِالْحَقِّ أَيْ: إِلَى كَافَّةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكِّدَةً، أَوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ فَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا فِي حَيِّزِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ حَكَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَلَامَ الشَّاهِدِ بِالْمَعْنَى؛ إِذْ عِبَارَتُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا وَبَعَثَهُ (وَيُؤْمِنَ بِالْمَوْتِ) : بِالْوَجْهَيْنِ، (وَالْبَعْثِ) أَيْ: يُؤْمِنُ بِوُقُوعِ الْبَعْثِ (بَعْدَ الْمَوْتِ) : وَتَكْرِيرُ الْمَوْتِ إِيذَانٌ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ أَكَّدَ الْمَوْتَ بِذِكْرِ لِفَظِ يُؤْمِنُ دُونَ الْبَعْثِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ ظَاهِرٌ لَا يُنْكَرُ، وَالْبَعْثُ خَفِيٌّ يُنْكَرُ؟ قُلْتُ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْبَعْثِ ظَاهِرَةٌ، وَإِلَى أَنَّهُمْ مُتَمَادُونَ فِي الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ.

قُلْتُ: وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ لَيْسَ يَقِينٌ أَشْبَهُ بِالشَّكِّ مِنَ الْمَوْتِ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْمَوْتُ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى النَّعِيمِ، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ فَنَاءٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ وِلَادَةٌ ثَانِيَةٌ وَبَقَاءُ، وَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَلِذَلِكَ مَنَّ عَلَى الْإِنْسَانِ بِخَلْقِهِ حَيْثُ قَالَ: (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) ، وَقُدِّمَ لِأَنَّهُ الْمُوصِّلُ إِلَى الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَالتَّغْيِيرَاتُ الْوَاقِعَةُ لِأَجْلِهِ كَمَا فِي النَّوَى الْمَزْرُوعِ إِذْ لَا يَصِيرُ نَخْلًا إِلَّا بِفَسَادِ جُثَّتِهِ، وَكَمَا فِي الْبَرِّ إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ زِيَادَةً فِي أَبْدَانِنَا، وَكَمَا فِي الْبَذْرِ إِذَا زُرِعَ؛ قِيلَ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَسَادُ ظَاهِرًا هُوَ عَيْنُ الصَّلَاحِ بَاطِنًا، فَرِضَا النَّفْسِ بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ لِقُدْرَتِهَا وَرِضَاهَا بِالْأَعْرَاضِ الدَّنِيَّةِ كَمَا رَضِيَ الْجُعَلُ بِالِانْغِمَاسِ فِي الْعَذِرَةِ دَائِمًا، بَلْ قِيلَ: إِنَّهُ إِذَا شَمَّ الْمِسْكَ مَاتَ لِوَقْتِهِ. (وَيُؤْمِنَ) : بِالْوَجْهَيْنِ (بِالْقَدَرِ) قَالَ الْمُظْهِرُ: الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ أَصْلِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيُ الْكَمَالِ، فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. الْأَوَّلُ: الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى كَافَّةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالثَّانِي أَنْ يُؤْمِنَ بِالْمَوْتِ أَيْ: يَعْتَقِدُ فَنَاءَ الدُّنْيَا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَبَقَائِهِ أَبَدًا. وَفِي مَعْنَاهِ التَّنَاسُخِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا بِفَسَادِ الْمِزَاجِ كَمَا يَقُولُهُ الطِّيبِيُّ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَالرَّابِعُ: أَنْ يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ؛ يَعْنِي بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِي الْعَالَمِ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَقَدَرِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>