للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٥ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ: الْمُرْجِئَةُ، وَالْقَدَرِيَّةُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ (حَسَنٌ صَحِيحٌ)

ــ

١٠٥ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صِنْفَانِ) أَيْ: نَوْعَانِ، (مِنْ أُمَّتِي) أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، (لَيْسَ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ) أَيْ: حَظٌّ كَامِلٌ، أَوْ لَيْسَ لَهُمَا فِي كَمَالِ الِانْقِيَادِ لِمَا قُضِيَ، وَقُدِّرَ عَلَى الْعِبَادِ مِمَّا أَرَادَ نَصِيبٌ؛ أَيْ: حَظٌّ مُطْلَقًا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ؟ رُبَّمَا يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يُكَفِّرُ الْفَرِيقَيْنِ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُسَارِعَ إِلَى تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ، أَوِ الْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ احْتِيَاطًا فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُمَا نَصِيبٌ عَلَى سُوءِ الْحَظِّ وَقِلَّةِ النَّصِيبِ، كَمَا يُقَالُ: لَيْسَ لِلْبَخِيلِ مِنْ مَالِهِ نَصِيبٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «يَكُونُ فِي أَمَّتِي خَسْفٌ» ) ، وَقَوْلُهُ: ( «سِتَّةٌ لَعْنَتُهُمْ» ) . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُكَذِّبِ بِهِ؛ أَيْ: بِالْقَدَرِ إِذْ أَتَاهُ مِنَ الْبَيَانِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْعُذْرُ، أَوْ عَلَى مَنْ تُفْضِي بِهِ الْعَصَبِيَّةُ إِلَى تَكْذِيبِ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ النُّصُوصِ، أَوْ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَهُ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَارِدَةٌ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَمَنْ أَطْلَقَ تَكْفِيرَ الْفَرِيقَيْنِ أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ فَقَدِ اسْتَرْوَحَ، بَلِ الصَّوَابُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ إِلَّا إِنْ أَتَوْا بِمُكَفِّرٍ صَرِيحٍ لَا اسْتِلْزَامِيٍّ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ يُعَامِلُونَهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي نِكَاحِهِمْ، وَإِنْكَاحِهِمْ، وَالصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَاهُمْ، وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُخْطِئِينَ غَيْرَ مَعْذُورِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْفِسْقِ وَالضَّلَالِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْصُدُوا بِمَا قَالُوهُ اخْتِيَارَ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا بَذَلُوا وُسْعَهُمْ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ، لَكِنْ لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَحْكِيمِ عُقُولِهِمْ، وَأَهْوِيَتِهِمْ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ صَرِيحِ السُّنَةِ وَالْآيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَبِهَذَا فَارَقُوا مُجْتَهَدِي الْفُرُوعِ فَإِنَّ خَطَأَهُمْ إِنَّمَا هُوَ لِعُذْرِهِمْ بِقِيَامِ دَلِيلٍ آخَرَ عِنْدَهُمْ مُقَاوِمٌ لِدَلِيلِ غَيْرِهِمْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يُقَصِّرُوا، وَمِنْ ثَمَّ أُثِيبُوا عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، (الْمُرْجِئَةُ) : يُهْمَزُ، وَلَا يُهْمَزُ مِنَ الْإِرْجَاءِ مَهْمُوزًا وَمُعْتَلًّا، وَهُوَ التَّأْخِيرُ. يَقُولُونَ: الْأَفْعَالُ كُلُّهَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا اخْتِيَارٌ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَيُؤَخِّرُونَ الْعَمَلَ عَنِ الْقَوْلِ. وَهَذَا غَلَطٌ، بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الْمُرْجِئَةَ هُمُ الْجَبْرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إِضَافَةَ الْفِعْلِ إِلَى الْعَبْدِ كَإِضَافَتِهِ إِلَى الْجَمَادِ اتَّسَمُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ عَنِ الِاعْتِدَادِ بِهِمَا، وَيَرْتَكِبُونَ الْكَبَائِرَ فَهُمْ عَلَى الْإِفْرَاطِ، (وَالْقَدَرِيَّةُ) : عَلَى التَّفْرِيطِ، وَالْحَقُّ مَا بَيْنَهُمَا اهـ.

وَالْقَدَرِيَّةُ: بِفَتْحِ الدَّالِ وَتُسَكَّنُ، وَهُمُ الْمُنْكِرُونَ لِلْقَدَرِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ بِقُدْرَتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ، وَإِنَّمَا نُسِبَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إِلَى الْقَدَرِ لِأَنَّهُمْ يَبْحَثُونَ فِي الْقَدَرِ كَثِيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>