للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ الْفَاضِلُ تِلْمِيذُ الْإِمَامِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، ذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَمَلْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَقْرَيْ بُخْتِيٍّ كُتُبًا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الطَّبَقَاتِ: رَوَى الرَّبِيعُ قَالَ: كَتَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ كُتُبًا يَنْسَخُهَا فَأَخَّرَهَا عَنْهُ:

قُلْ لِلَّذِي لَمْ تَرَ عَيْنَا مَنْ رَآهُ مِثْلَهُ مِثْلَهُ ... وَمَنْ كَانَ مَنْ رَآهُ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهُ

الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ أَهْلَهُ ... لَعَلَّهُ يَبْذُلُهُ لِأَهْلِهِ لَعَلَّهُ

وَفِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي عَلَى الْفِقْهِ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. انْتَهَى. مُحَمَّدٌ لَهُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُوَطَّأُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَلَمَّا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ، وَالْبَحْرُ الْفَهَّامَةُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَمُفْتِي الْأَنَامِ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ، وَالتَّآلِيفِ الشَّهِيرَةِ، مَوْلَانَا، وَسَيِّدُنَا، وَسَنَدُنَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ - مَنَاقِبَ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ، قَالَ: تَعَيَّنَ عَلَيْنَا إِذْ ذَكَرْنَا تَرَاجِمَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنْ نَخْتِمَ لِرَابِعِهِمُ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِمْ تَبَرُّكًا بِهِ، لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، وَوُفُورِ عِلْمِهِ، وَوَرَعِهِ، وَزُهْدِهِ، وَتَحْلِيَتِهِ بِالْعُلُومِ الْبَاطِنَةِ فَضْلًا عَنِ الظَّاهِرَةِ بِمَا فَاقَ فِيهِ أَهْلَ عَصْرِهِ، وَفَازَ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَإِذَاعَةِ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَقِيهُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَمِنْ أَكَابِرَ التَّابِعِينَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ زُوطَى بِضَمِّ الزَّايِ، وَفَتْحِ الطَّاءِ ابْنِ مَاهٍ مَوْلَى تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْكُوفِيُّ. وَرَوَى الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَفِيدِهِ عُمَرَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ ثَابِتًا وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَزُوطَى كَانَ مَمْلُوكًا لِبَنِي تَيْمٍ فَأَعْتَقُوهُ فَصَارَ وَلَاؤُهُ لَهُمْ. وَأَنْكَرَ إِسْمَاعِيلُ أَخُو عُمَرَ الْمَذْكُورِ - حَفِيدُهُ أَيْضًا ابْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ - ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ وَالِدَ ثَابِتٍ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، وَأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ، وَاللَّهِ مَا وَقَعَ عَلَيْنَا رِقٌّ قَطُّ، وُلِدَ جَدِّي سَنَةَ ثَمَانِينَ. وَذَهَبَ بِثَابِتٍ أَبِيهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رِضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ صَغِيرٌ ; فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِيهِ، وَفِي ذُرِّيَّتِهِ، وَنَحْنُ نَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدِ اسْتُجِيبَ مِنْ عَلِيٍّ فِينَا! اهـ.

وَهُوَ كَمَا رَجَا ; فَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ بَرَكَةً لَا نِهَايَةَ لِأَقْصَاهَا، وَلَا غَايَةَ لِمُنْتَهَاهَا، وَبَارَكَ فِي أَتْبَاعِهِ فَكَثُرُوا فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَرَكَةِ صِدْقِهِ، وَإِخْلَاصِهِ مَا اشْتَهَرَ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ. أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَدْرَكَ أَرْبَعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ بَلْ ثَمَانِيَةً مِنْهُمْ: أَنَسٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو اللَّيْلِ. قِيلَ: وَلَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنْهُمْ. قُلْتُ: لَكِنْ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. وَسَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ، وَأَهْلِ طَبَقَتِهِ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ. وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَالِيًا عَلَى الْعِرَاقِ لِبَنِي أُمَيَّةَ فَكَلَّمَهُ فِي أَنْ يَلِيَ لَهُ قَضَاءَ الْكُوفَةِ ; فَأَبَى عَلَيْهِ ; فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةُ أَسْوَاطٍ، وَهُوَ مُصَمِّمٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ خَلَّى سَبِيلَهُ. وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِذَا ذَكَرَ ضَرْبَهُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَامْتِنَاعَهُ مِنْهُ بَكَى، وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَكَأَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ فِي تَحَمُّلِ ضَرْبِهِ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ. وَاسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ أَبُو جَعْفَرٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى بَغْدَادَ لِيُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ فَأَبَى، فَحَلَفَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلْنَّ، فَحَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ، وَتَكَرَّرَ هَذَا مِنْهُمَا ; فَقَالَ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ: أَلَا تَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَحْلِفُ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى كَفَّارَةِ أَيْمَانِهِ أَقْدَرُ مِنِّي عَلَى كَفَّارَةِ أَيْمَانِي ; فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ فِي الْوَقْتِ. وَفِي رِوَايَةٍ: دَعَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى فَحَبَسَهُ، ثُمَّ دَعَا بِهِ فَقَالَ: أَتَرْغَبُ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ؟ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ; لَا أَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ ; فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَدْ حَكَمَ عَلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا أَصْلُحَ لِلْقَضَاءِ ;

<<  <  ج: ص:  >  >>