١٨٩٠ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
١٨٩٠ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ» ") أَيْ: شَفْعًا مِنْ جِنْسٍ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الزَّوْجُ يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَعَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ زَوْجٌ مِنْ آخَرَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا اهـ. فَالْمُرَادُ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الِاثْنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا الصِّنْفَانِ كَمَا تَوَهَّمَ ابْنُ حَجَرٍ، فَتَدَبَّرْ، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَدِرْهَمَيْنِ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ مُدَّيْنِ مِنَ الطَّعَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: مَا الزَّوْجَانِ؟ قَالَ: فَرَسَانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ بَعِيرَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ التَّكْرِيرُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَشْفَعُ صَدَقَتَهُ بِأُخْرَى اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا صَدَقَتَانِ إِحْدَاهُمَا سِرٌّ وَالْأُخْرَى عَلَانِيَةٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٢٧٤] وَقِيلَ أَيْ: صَلَاتَيْنِ أَوْ صَوْمَيْنِ حَمْلًا لِلْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ النَّافِلَةَ لِلْفُقَرَاءِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ لِلْأَغْنِيَاءِ (مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ) أَيِ: الزَّوْجَانِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِصِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ وَنَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ: فِي مَرْضَاتِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ.
وَقِيلَ: مَخْصُوصٌ بِالْجِهَادِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ يَعْنِي وَأَعَمَّ وَأَتَمَّ وَأَشْهَرَ فَتَدَبَّرْ " «دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ» " أَيْ: دَعَتْهُ الْخَزَنَةُ مِنْ جَمِيعِ أَبَوَابِهَا، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا يُوَازِي الْأَعْمَالَ يَسْتَحِقُّ بِهَا الدُّخُولَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ عَلَى أَجْمَلِ الْأَحْوَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ مِنْ أَحَدِ أَبَوَابِهَا لِمَا سَيَجِيءُ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَهَا بَابٌ، وَيُقَوِّيهِ سُؤَالُ الصِّدِّيقِ " «وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ» " أَيْ: ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: ذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا وَفِيهِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ ظَاهِرَةٌ جِدًّا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَابٍ مِنْهَا يُسَمَّى بِبَابِ عِبَادَةٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الطَّاعَةِ يَدْخُلُ مِنْهَا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعِبَادَةُ وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا، كُلُّهَا بِوَصْفِ الزِّيَادَةِ، دُعِيَ مِنْ جَمِيعِ الْأَبْوَابِ الْوَارِدَةِ تَكْرِيمًا لِأَرْبَابِ الْوِفَادَةِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ " «فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَوَاتِ» " أَيْ: مِمَّنْ يُكْثِرُ النَّفْلَ؛ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا " «دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ» " أَيْ: أَوَّلًا وَهُوَ أَفْضَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute