الْأَبْوَابِ يَعْنِي: قِيلَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ادْخُلِ الْجَنَّةَ مِنْ هَذَا الْبَابِ " «وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ» " أَيْ: يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ " «دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ» " أَيْ: مِنْ بَابِ الصِّيَامِ الْمُسَمَّى بَابَ الرَّيَّانِ ضِدَّ الْعَطْشَانِ، قِيلَ: وَهُوَ بَابٌ يَسْقِي الصِّيَامُ فِيهِ شَرَابًا طَهُورًا قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِيَزُولَ عَطَشُهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنْ كَانَ اسْمًا لِلْبَابِ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الرُّوَاءِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَرْوِي يُقَالُ: رَوَى يَرْوِي فَهُوَ رَيَّانٌ أَيِ: الصَّائِمُ بِتَعَطُّشِهِ فِي الدُّنْيَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ لِيَأْمَنَ الْعَطَشَ اهـ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ بَابُ الضُّحَى، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُدَاوِمُونَ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى؟ هَذَا بَابُكُمْ فَادْخُلُوهُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ» " ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ.
وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بَابُ التَّوْبَةِ وَبَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَبَابُ الرَّاضِينَ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَنِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّهُ الثَّامِنُ " «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ» " مَا نَافِيَةٌ وَمِنْ زَائِدَةٌ وَهِيَ اسْمُ مَا، أَيْ: لَيْسَ ضَرُورَةٌ وَاحْتِيَاجٌ عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ إِنْ لَمْ يُدْعَ مِنْ سَائِرِهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَهَذَا نَوْعُ تَمْهِيدِ قَاعِدَةِ السُّؤَالِ فِي قَوْلِهِ " «فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا» " أَيْ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِي بِأَنْ لَا ضَرُورَةَ وَلَا احْتِيَاجَ لِمَنْ يُدْعَى مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ إِلَى الدُّعَاءِ مِنْ سَائِرِ الْأَبْوَابِ إِذْ يَحْصُلُ مُرَادُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ " قَالَ: نَعَمْ " أَيْ: يَكُونُ جَمَاعَةٌ يُدْعَوْنَ مِنْ جَمِيعِ الْأَبْوَابِ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا لَهُمْ ; لِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ " «وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» " لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ جَامِعًا لِهَذِهِ الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَلِكَ الَّذِي لَا تَوَى» بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْقَصْرِ أَيْ: لَا ضَيَاعَ وَلَا هَلَاكَ وَلَا خَسَارَةَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ «دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ» ، أَيْ: لَكَ، عَلَى زَعْمِهِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ إِظْهَارُ تَعْظِيمِهِ وَتَفْخِيمِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute