للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٧ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

١٠٧ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» ) ، أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ بِقَدَرِهِمْ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمَجُوسِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهَيْنِ: خَالِقُ الْخَيْرِ، وَهُوَ يَزْدَانُ، وَخَالِقُ الشَّرِّ، وَهُوَ أَهْرِمَنْ؛ أَيِ: الشَّيْطَانُ، وَقِيلَ: الْمَجُوسُ يَقُولُونَ: الْخَيْرُ مِنْ فِعْلِ النُّورِ، وَالشَّرُّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ، كَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: الْخَيْرُ مِنَ اللَّهِ، وَالشَّرُّ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمِنَ النَّفْسِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لِإِحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ مَذْهَبًا يُشْبِهُ مَذْهَبَ الْمَجُوسِ مِنْ وَجْهٍ؛ هُوَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ الْكَائِنَاتِ أَعْيَانًا وَأَحْدَاثًا إِلَى إِلَهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ، وَالثَّانِي: لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا مَا هُوَ شَرٌّ، وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ يُشْبِهُ ذَلِكَ لَكِنَّ فِي الْأَحْدَاثِ لَا الْأَعْيَانِ؛ لِإِضَافَتِهِمُ الْخَيْرَ إِلَى اللَّهِ، وَالشَّرَّ إِلَى النَّفْسِ اهـ.

وَلَعَلَّهُ مَذْهَبُ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ عَنْهُمْ مَا صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْحَسَنَةَ الَّتِي هِيَ الْخِصْبُ وَالصِّحَّةُ، وَالسَّيِّئَةُ الَّتِي هِيَ الْقَحْطُ وَالْمَرَضُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَمِنَ الْعَبْدِ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ لَطَفَ بِهِ فِي أَدَائِهَا وَبَعْثِهِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْمَعْصِيَةُ مِنْهُ أَيْضًا، وَاللَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعَلَى هَذَا فَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِمْ مَجُوسًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ هَذَا تَعَدُّدُ الْإِلَهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الطَّاعَةِ غَيْرُ الْبَاعِثِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَرَّرَ.

( «إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ» ) : النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَتَقْبِيحُ اعْتِقَادِهِمْ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِهِمْ. وَعَلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ حَكَمَ بِكُفْرِهِمْ؛ إِذِ الْفَاسِقُ لَا مَنْعَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي شُهُودِ جِنَازَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَضْلًا عَنْ كُفْرِهِ يَمْنَعُ عَنْ عِيَادَتِهِ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا، فَإِنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَشُهُودِ جِنَازَتِهِمْ، وَخَصَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمُ وَأَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنَّهَا حَالَتَانِ مُفْتَقِرَتَانِ إِلَى الدُّعَاءِ بِالصِّحَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُمَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>