الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ» " وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ السَّلَامُ جَوَابًا لَهُ، وَتَحِيَّةُ الْمَيِّتِ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ هَذَا وَهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ) أَيْ: إِذَا سَلَّمْتَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ (قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُقَدَّرٍ هُوَ: هُوَ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْآتِيَيْنِ، أَوْ صِفَةٌ لِلَّهِ أَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَى نُسْخَةِ الضَّمِّ بِنَاءً عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ فِي " دَعَوْتَهُ " فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " أَنَا رَسُولُ اللَّهِ " مَقْرُونًا بِدَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ وَإِنْ كَانَتْ رِسَالَتُهُ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ بِالتَّوَاتُرِ وَظُهُورِ أَنْوَاعِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَأَصْنَافِ شَمَائِلِ الرِّسَالَةِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ سُؤَالِهِ مَعْرِفَةَ الشَّخْصِ الْمُسَمَّى بِوَصْفِ الرِّسَالَةِ الْمَوْصُوفِ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ لَا إِثْبَاتَهَا بِالْمُعْجِزَةِ، وَهَذَا مَحْمَلُ فَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ " بِي " بَعْدَ " دَعَوْتَهُ " أَيْ: بِالتَّوَسُّلِ إِلَيَّ أَوْ بَعْدَ كَشْفِهِ أَيْ: بِسَبَبِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( «إِنْ أَصَابَكَ ضُرٌّ» ) بِضَمِّ الضَّادِ وَيُفْتَحُ " فَدَعَوْتَهُ " أَيْ: أَنْتَ بِوَسِيلَتِي أَوْ أَنَا " كَشَفَهُ " أَيْ: أَزَالَ اللَّهُ ذَلِكَ الضُّرَّ " عَنْكَ، وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ " أَيْ: سَنَةُ قَحْطٍ لَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا " فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ " أَيْ: صَيَّرَهَا ذَاتَ نَبَاتٍ لَكَ " وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ " وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ أَيْ: فَلَاةٍ خَالِيَةٍ مِنَ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ فَهِيَ الْمَفَازَةُ الْمُهْلِكَةُ " أَوْ فَلَاةٍ " أَيْ: مَفَازَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُمْرَانِ فَهِيَ الْمَفَازَةُ الْخَطِرَةُ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ " فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ " أَيْ: فَحَادَتْ وَمَالَتْ عَنِ الطَّرِيقِ أَوْ غَابَتْ عَنْكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ " فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ، قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ " أَيْ: أَوْصِنِي، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: ٦٠] " قَالَ: «لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا» " أَيْ: لَا تَشْتُمْهُ، وَإِنَّمَا عَهِدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَمَ السَّبِّ، بِعِلْمِهِ أَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى حَالِهِ ذَلِكَ فَنَهَاهُ عَنْهُ " فَقَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ " أَيْ: بَعْدَ عَهْدِهِ أَحَدًا " حُرًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا بَعِيرًا وَلَا شَاةً " أَيْ: لَا إِنْسَانًا وَلَا حَيَوَانًا سَدًّا لِلْبَابِ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ سَبُّ إِنْسَانٍ مَخْصُوصٍ عُلِمَ مَوْتُهُ بِالْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي عَدَمِ سَبِّهِ، وَالْأَفْضَلُ الِانْشِغَالُ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ حَتَّى عَنْ لَعْنِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ خُطُورَ مَا سِوَى اللَّهِ فِي الْخَاطِرِ نُقْصَانٌ " قَالَ " أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «وَلَا تَحْقِرَنَّ شِيئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ» " أَيْ: مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَوْ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا أَوْ صَغِيرًا ( «وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ» ) قِيلَ أَيْ: وَكَلِّمْ أَخَاكَ تَكْلِيمًا فَحُذِفَ الْفِعْلُ الْعَامِلُ وَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ: تَكْلِيمُكَ أَخَاكَ، ثُمَّ وُضِعَ الْفِعْلُ مَعَ أَنْ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّهْيِ، كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَوْلُهُ: وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ إِمَّا عَطْفٌ عَلَى شَيْءٍ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ مُسْتَأْنَفٌ عِلَّةٌ لَهُ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَإِنَّ ذَلِكَ خَبَرُهُ " وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ " أَيْ: بَشَّاشٌ " إِلَيْهِ وَجْهُكَ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ " مُنْبَسِطٌ " وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ تَتَوَاضَعُ لَهُ وَتَطْلُبُ الْكَلَامَ حَتَّى يَفْرَحَ قَلْبُهُ بِحُسْنِ خُلُقِكَ " إِنَّ ذَلِكَ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ التَّغْلِيبِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا لِلْعِلَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّكْلِيمِ مَعَ انْبِسَاطِ الْوَجْهِ مِنْ جُمْلَةِ " الْمَعْرُوفِ " «الَّذِي لَا يُنْكَرُ وَلَا يُحَقَّرُ فَلَا يُتْرَكُ» " وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ " أَيْ: لِيَكُنْ سِرْوَالُكَ وَقَمِيصُكَ قَصِيرَيْنِ " فَإِنْ أَبَيْتَ " رَفْعَ إِزَارِكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَارْفَعْهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَتَجَاوَزْ عَنْهُمَا " وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ " أَيِ: اجْتَنِبْهُ " فَإِنَّهَا " أَيْ: هَذِهِ الْفَعْلَةُ أَوِ الْخَصْلَةُ الَّتِي هِيَ الْإِسْبَالُ مِنْ إِرْسَالِ الثَّوْبِ وَإِرْخَائِهِ " مِنَ الْمَخِيلَةِ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ أَيِ: الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ " «وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ» " أَيْ: سَبَّكَ وَلَعَنَكَ " وَعَيَّرَكَ " أَيْ: لَامَكَ وَعَيَّرَكَ " بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ " أَيْ: مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute