للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٩٦٣ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النُّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ» ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.

ــ

١٩٦٣ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " الصِّيَامُ ") أَيْ صِيَامُ رَمَضَانَ " وَالْقُرْآنُ " أَيْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْقُرْآنُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ التَّهَجُّدِ وَالْقِيَامِ بِاللَّيْلِ كَمَا عُبِّرَ بِهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: ٧٨] وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ " وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ " اهـ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ " يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ " وَتَتَجَسَّدُ الْمَعَانِي وَالْأَعْمَالُ وَيُحْتَمَلُ بِبَيَانِ الْحَالِ. " «يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ " أَيْ: يَا رَبِّ " إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ» " مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ " بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي " بِالتَّشْدِيدِ أَيِ: اقْبَلْ شَفَاعَتِي " فِيهِ " أَيْ فِي حَقِّهِ " وَيَقُولُ الْقُرْآنُ " لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ كَلَامُهُ - تَعَالَى - غَيْرَ مَخْلُوقٍ لَمْ يَقُلْ أَيْ رَبِّ، وَأَخْطَأَ ابْنُ حَجَرٍ خَطَأً فَاحِشًا، حَيْثُ قَدَّرَ هُنَا أَيْ رَبِّ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، لَا يُقَالُ: أَرَادَ بِالْقُرْآنِ الْمَقْرُوءِ فَإِنَّا نَقُولُ: لَا يَصِحُّ التَّقْدِيرُ الْمُوهِمُ لِلتَّضْلِيلِ الْمُحْوِجُ إِلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ، لَا سِيَّمَا مَعَ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ، وَكَلَامُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ لَا يُؤَوَّلُ، فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُعَوَّلُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ مُرَادًا بِهِ اللَّفْظِيُّ، فَالْجَوَابُ: لَا، لِمَا فِيهِ مِنِ الْإِيهَامِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، كَمَا أَنَّ الْجَبَّارَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ النَّخْلَةُ الطَّوِيلَةُ، وَيُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ الْجَبَّارُ مَخْلُوقٌ مُرَادًا بِهِ النَّخْلَةُ لِلْإِيهَامِ اهـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ نَقْلًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: يَا رَبَّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: مَهْ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ، أَيْ أَنَّهُ صِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالْمَرْبُوبِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِحُدُوثِهِ وَانْفِصَالِهِ عَنِ الذَّاتِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمُدَّعَى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَى، وَهُوَ لَهُ أَوْلَى فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى " «مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ» " بِالتَّشْدِيدِ مَجْهُولًا أَيْ يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُمَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَتِهِمَا، وَلَعَلَّ شَفَاعَةَ رَمَضَانَ فِي مَحْوِ السَّيِّئَاتِ وَشَفَاعَةَ الْقُرْآنِ فِي عُلُوِّ الدَّرَجَاتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الشَّفَاعَةُ وَالْقَوْلُ مِنَ الصِّيَامِ وَالْقُرْآنِ إِمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ أَوْ يَجْرِيَ عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّصُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَإِنَّ الْعُقُولَ الْبَشَرِيَّةَ تَتَلَاشَى وَتَضْمَحِلُّ عَنْ إِدْرَاكِ الْعَوَالِمِ الْإِلَهِيَّةِ، وَلَا سَبِيلَ لَنَا إِلَّا الْإِذْعَانُ وَالْقَبُولُ، وَمَنْ أَوَّلَ قَالَ: اسْتُعِيرَتِ الشَّفَاعَةُ وَالْقَبُولُ لِلصِّيَامِ وَالْقُرْآنِ لِإِطْفَاءِ غَضَبِ اللَّهِ وَإِعْطَاءِ الْكَرَامَةِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَالزُّلْفَى عِنْدَ اللَّهِ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْجُوعِ، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>