" فِيهِ " أَيْ فِي نَهَارِهِ أَوْ لَيْلِهِ " بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ " أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ النَّفْلِ " كَانَ كَمَنْ " أَيْ ثَوَابُهُ كَثَوَابِ مَنْ " أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ " بَدَنِيَّةً أَوْ مَالِيَّةً " كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ مِنَ الْأَشْهُرِ، وَهَذَا فِيمَا سِوَى الْحَرَمِ، إِذْ حَسَنَاتُهُ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ فِي غَيْرِهِ " وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ " لِأَنَّ صِيَامَهُ بِالصَّبْرِ عَنِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَنَحْوِهَا، وَقِيَامَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مِحْنَةِ السَّهَرِ وَسُنَّةِ السَّحُورِ عِنْدَ السَّحَرِ، وَلِذَا أُطْلِقَ الصَّبْرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: ٤٥] وَفِيهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ بِأَنَّ بَاقِيَ الْأَشْهُرِ شُهُورُ الشُّكْرِ فَيَكُونُ إِيمَاءً إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ أَيْ زَمَانًا قَلِيلًا تَسْهِيلًا لِلصَّائِمِينَ وَتَسْلِيَةً لِلْقَائِمِينَ " وَالصَّبْرُ " أَيْ كَمَالُهُ الْمُتَضَمِّنُ لِلشُّكْرِ، كَمَا حَرَّرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ وُجُودَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مُتَلَازِمَانِ، وَفَى التَّحْقِيقِ مُتَعَانِقَانِ وَبِكُلِّ طَاعَةٍ وَخَصْلَةٍ حَمِيدَةٍ مُتَعَلِّقَانِ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ نِصْفَانِ: نِصْفُهُ صَبْرٌ وَنِصْفُهُ شُكْرٌ، فَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ صَبْرٌ، وَامْتِثَالُ الطَّاعَةِ شُكْرٌ " ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ " أَوْ يُقَالُ: الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ جَزَاؤُهُ الْجَنَّةُ لِمَنْ قَامَ بِهِ مَعَ النَّاجِينَ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ مِنْ غَيْرِ مُقَاسَاةٍ لِشَدَائِدِ الْمَوْقِفِ فَأَمْرٌ رَاشِدٌ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنَ الْحَدِيثِ فَلَا يَنْبَغِي الْجَرَاءَةُ عَلَيْهِ " وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ " أَيِ الْمُسَاهَمَةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الْمَعَاشِ وَالرِّزْقِ، وَأَصْلُهُ الْهَمْزَةُ فَقُلِبَتْ وَاوًا تَخْفِيفًا، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْجُودِ وَالْإِحْسَانِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْجِيرَانِ " وَشَهْرٌ يُزَادُ فِي رِزْقِ الْمُؤْمِنِ " وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: " يُزَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا "، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ تَعْمِيمُ الرِّزْقِ بِالْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، وَفِي الْحَدِيثِ تَشْجِيعٌ عَلَى الْكَرَمِ وَتَحْضِيضٌ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ " مَنْ فَطَّرَ " بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ " فِيهِ صَائِمًا " أَيْ أَطْعَمَهُ أَوْ سَقَاهُ عِنْدَ إِفْطَارِهِ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ " كَانَ " أَيِ التَّفْطِيرُ " لَهُ " أَيْ لِلْمُفَطِّرِ " مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ " أَيِ الْمُفَطِّرُ " مِنَ النَّارِ " أَيْ سَبَبًا لِحُصُولِهِمَا، وَفَى نُسْخَةٍ بِرَفْعِ الْمَغْفِرَةِ وَالْعِتْقِ، فَالْمَعْنَى: حَصَلَ لَهُ مَغْفِرَةٌ وَعِتْقٌ " وَكَانَ لَهُ " أَيْ وَحَصَلَ لِلْمُفَطِّرِ " مِثْلُ أَجْرِهِ " أَيْ مِثْلُ ثَوَابِ الصَّائِمِ " مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ " مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ " مِنْ أَجْرِهِ " أَيْ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ " شَيْءٌ " وَهُوَ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ وَإِفَادَةُ تَأْكِيدٍ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ النَّقْصِ مِنْ لَفْظِ " مِثْلُ أَجْرِهِ " أَوَّلًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute