١٩٦٦ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَطْلَقَ كُلَّ أَسِيرٍ وَأَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ» .
ــ
١٩٦٦ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَطْلَقَ كُلَّ أَسِيرٍ» ) أَيْ مَحْبُوسٍ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَبْسَ لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ لِحَقِّ الْعَبْدِ بِتَلْخِيصِهِ مِنْهُ تَخْلِيقًا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ فِي مَعْنَى الْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ مَحْبُوسٍ عَلَى كُفْرِهِ بَعْدَ أَسْرِهِ لِيَخْتَارَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنَّ أَوِ الْقَتْلَ مَثَلًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الذَّكَرَ الْحُرَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا أُسِرَ تَخَيَّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَهُوَ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ مَخْصُوصٌ بِحَرْبِ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَتْلُ أَوِ الِاسْتِرْقَاقُ عِنْدَهُمْ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدَارِكِ: وَحُكْمُ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ عِنْدَنَا الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ، وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ الْمَذْكُورَانِ فِي الْآيَةِ فَمَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] لِأَنَّ سُورَةَ " بَرَاءَةٌ " مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَنِّ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ الْقَتْلِ وَيُسْتَرَقُّوا أَوْ يُمَنَّ عَلَيْهِمْ فَيُخَلُّوا بِقَبُولِهِمُ الْجِزْيَةَ، وَبِالْفِدَاءِ أَنْ يُفَادَى بِأَسَارِيهِمْ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مَذْهَبًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرَى فِدَائَهُمْ لَا بِمَالٍ وَلَا بِغَيْرِهِ لِئَلَّا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ: الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ اهـ، فَاللَّائِقُ بِالْمُتَكَلِّمِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْسَنِ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَا عَلَى احْتِمَالٍ يُخَالِفُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، مَعَ أَنَّهُ مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمُومِ فَضْلًا عَنْ خُصُوصِ رَمَضَانَ أَنَّهُ أَعْتَقَ كَافِرًا وَأَرْسَلَهُ قَطُّ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتِمْرَارُهُ الْحَقِيقِيُّ أَوِ الْعُرْفِيُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَوْنِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَمَضَانَ ; وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ " وَأَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ " أَيْ زِيَادَةً عَلَى مُعْتَادِهِ وَإِلَّا فَلَا كَانَ عِنْدَهُ لَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَيْضًا، فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مَا سُئِلَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، «فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ» ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ لَا، وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْ مَا طُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَمَنَعَهُ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ: مَا قَالَ لَا قَطُّ إِلَّا فِي تَشَهُّدِهِ لَوْلَا التَّشَهُّدُ كَانَتْ لَاؤُهُ نَعَمُ
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَاهُ لَمْ يَقُلْ لَا مَنْعًا لِلْعَطَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَقُولَهَا اعْتِذَارًا كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢] وَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ وَبَيْنَ لَا أَحْمِلُكُمُ اهـ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَالرَّسُولُ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، وَأَوْرَدَ ابْنُ حَجَرٍ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ يُنَاقِضُ صَوَابًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute