للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا الْمَبْحَثِ. (فَحَدِّثْنِي) أَيْ: بِحَدِيثٍ (لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي.) أَيْ: رَجَاءَ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ مِنِّي، وَقَالَ أَوَّلًا فِي نَفْسِي، وَثَانِيًا مِنْ قَلْبِي إِشْعَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ تَمَكَّنَ مِنْهُ، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِهِ مِنْ ذَاتِهِ، وَقَلْبِهِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْحَزَازَةَ تَنْشَأُ مِنَ الْخَطَرَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَالثَّبَاتُ وَالِاطْمِئْنَانُ مِنَ الصِّفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ، ثُمَّ قَوْلُهُ: أَنْ يُذْهِبَهُ: خَبَرُ لَعَلَّ أَعْطَاهُ حُكْمَ عَسَى فِي دُخُولِ أَنَّ فِي خَبَرِهِ، (فَقَالَ) أَيْ: أُبَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَحَرِّيًا غَايَةَ الْبَيَانِ الشَّافِي، وَغَايَةَ الْإِرْشَادِ الْوَافِي (لَوْ) أَيْ: فُرِضَ (أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ) مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ (وَأَهْلَ أَرْضِهِ) : مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ (عَذَّبَهُمْ) : وَفِيهِ إِشْكَالٌ، وَدَفَعَهُ أَنَّ الشَّرْطِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةِ الْوُقُوعِ (وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ) : الْوَاوُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ، وَمُلْكِهِ فَعَذَابُهُ عَدْلٌ، وَثَوَابُهُ فَضْلٌ. قِيلَ فِيهِ إِرْشَادٌ عَظِيمٌ، وَبَيَانٌ شَافٍ لِإِزَالَةِ مَا طُلِبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَهْدِمُ مِنْهُ قَاعِدَةَ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيِّينَ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْجَمِيعِ، فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ كَيْفَ شَاءَ، وَلَا ظُلْمَ أَصْلًا (وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ) أَيِ: الصَّالِحَةِ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَإِيجَابِهَا إِيَّاهَا إِذْ هِيَ لَا تُوجِبُهَا عَلَيْهِ، كَيْفَ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ رَحْمَتِهِ بِهِمْ، فَرَحْمَتُهُ إِيَّاهُمْ مَحْضُ فَضْلٍ مِنْهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، فَلَوْ رَحِمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حِكْمَةِ غَايَتِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُطِيعِينَ لَهُمُ الثَّوَابُ، وَأَنَّ الْعَاصِينَ لَهُمُ الْعِقَابُ كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، فَالْأَمْرُ الْمُقَدَّرُ لَا يَتَبَدَّلُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ (وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ) : بِضَمَّتَيْنِ جَبَلٌ عَظِيمٌ قَرِيبُ الْمَدِينَةِ الْمُعَظَّمَةِ (ذَهَبًا) تَمْيِيزٌ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ: مَرْضَاتِهِ، وَطَرِيقِ خَيْرَاتِهِ (مَا قَبِلَهَا اللَّهُ) أَيْ: ذَلِكَ الْإِنْفَاقَ، أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ الْجَبَلِ (مِنْكَ) : وَهُوَ تَمْثِيلٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ لَا تَحْدِيدٍ؛ إِذْ لَوْ فُرِضَ إِنْفَاقُ مِلْءِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَانَ كَذَلِكَ (حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) أَيْ: بِأَنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ خَيْرِهَا، وَشَرِّهَا، وَحُلْوِهَا، وَمُرِّهَا، وَنَفْعِهَا، وَضَرِّهَا، وَقَلِيلِهَا، وَكَثِيرِهَا، وَكَبِيرِهَا، وَصَغِيرِهَا، بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَأَمْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَهُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ الْكَسْبِ، وَمُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ هَنَا كَمَالُ الْإِيمَانِ، وَسَلْبُ الْقَبُولِ مَعَ فَقْدِهِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَةَ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ أَعْمَالٌ أَيْ: لَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا مَا دَامُوا عَلَى بِدْعَتِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ: أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ بِدْعَتِهِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ أَهْلَ الْبِدْعَةِ لَيْسُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] وَأَنَّهُ لَا يُحِبُّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. (وَتَعْلَمَ) : تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ (أَنَّ مَا أَصَابَكَ) : مِنَ النِّعْمَةِ، وَالْبَلِيَّةِ، أَوِ الطَّاعَةِ، وَالْمَعْصِيَةِ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ (لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ) أَيْ: يُجَاوِزَكَ (وأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ) : مِنَ الْخَيْرِ، وَالشَّرِّ (لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ) : وَهَذَا وُضِعَ مَوْضِعِ الْمُحَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ: مُحَالٌ أَنْ يُخْطِئَكَ، وَفِيهِ ثَلَاثُ مُبَالَغَاتٍ: دُخُولُ أَنَّ، وَلُحُوقُ اللَّامِ الْمُؤَكِّدَةِ لِلنَّفْيِ، وَتَسْلِيطُ النَّفْيِ عَلَى الْكَيْنُونَةِ، وَسِرَايَتُهُ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: ٥١] ، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالرِّضَا، وَنَفْيِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَمُلَازَمَةِ الْقَنَاعَةِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ (وَلَوْ مُتَّ) : بِضَمِّ الْمِيمِ مَنْ مَاتَ يَمُوتُ، وَبِكَسْرِهَا مَنْ مَاتَ يُمِيتُ، (عَلَى غَيْرِ هَذَا) أَيْ: عَلَى اعْتِقَادِ غَيْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ (لَدَخَلْتَ النَّارَ) : يَحْتَمِلُ الْوَعِيدَ، وَيَحْتَمِلُ التَّهْدِيدَ، (قَالَ) أَيِ: ابْنُ الدَّيْلَمِيِّ (ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ) : صَاحِبَ السِّجَّادَةِ، وَالْمِخَدَّةِ، وَالنَّعْلَيْنِ، وَالْمِطْهَرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: مِثْلَ جَوَابِ أُبَيٍّ فِي سُؤَالِي (قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ) : مَرَّ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّه

<<  <  ج: ص:  >  >>