للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِي، وَفِي الْمَصَابِيحِ: وَأَهْلَكْتُ، أَيْ زَوْجَتِي بِأَنْ حَصَّلْتُ لَهَا ذَنْبًا (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَا لَكَ؟ " أَيُّ شَيْءٍ حَصَلَ أَوْ وَقَعَ لَكَ؟ وَفِي الْمَصَابِيحِ: مَا شَأْنُكَ ; وَأَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَمْرُكَ وَحَالُكَ (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي) أَيْ جَامَعْتُهَا، وَزَادَ فِي الْمَصَابِيحِ: فِي رَمَضَانَ (وَأَنَا صَائِمٌ) كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: (وَاقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهَذَا أَخَذَ أَئِمَّتُنَا فَقَالُوا: إِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْآتِيَةُ بِالْجِمَاعِ إِنْ كَانَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ لَا غَيْرُ، لِأَنَّهُ يُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ بِخَصَائِصَ كَثِيرَةٍ، وَكَذَا الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَفِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» " قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالْإِفْطَارِ، فَإِنْ قِيلَ: لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ وَاقِعَةِ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ الْفِطْرِ بِأَمْرٍ خَاصٍّ لَا بِالْأَعَمِّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَنَّهُ بِالْجِمَاعِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ لِأَحَدٍ، بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِمَاعُ الرَّجُلِ وَهُوَ السَّائِلُ لِمَجِيئِهِ مُفَسَّرًا كَذَلِكَ بِرِوَايَةٍ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ رَجُلًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قُلْنَا: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ تَعْلِيقُهَا بِالْإِفْطَارِ فِي عِبَارَةِ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا أَفَادَ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ خُصُوصِ الْأَحْوَالِ الَّتِي شَاهَدَهَا فِي قَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَمِعَ مَا يُفِيدُ أَنَّ إِيجَابَهَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْإِفْطَارِ فَيَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ فِي أُصُولِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إِذَا نَقَلَ الرَّاوِي بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فَإِنَّهُمُ اخْتَارُوا اعْتِبَارَهُ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ الرَّاوِي، وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى، فَهَذَا مِثْلُهُ بِلَا تَفَاوُتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهَا إِذَا طَاوَعَتْهُ، فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى عَلَى نَظِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَتَكُونُ ثَابِتَةً لِدَلَالَةِ نَصِّ حَدِّهَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِجِنَايَةِ الْإِفْطَارِ: يَعْنِي وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِمَاعًا أَوْ غَيْرَهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: مَأْخُوذٌ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْتِقَ» . . . الْحَدِيثَ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعِلَلِ فِي حَدِيثِ " الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ " عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا» . . الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ، وَعِنْدَنَا هُوَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَأَيْضًا دَلَالَةُ نَصِّ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ تُفِيدُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مَنْ عَلِمَ اسْتِوَاءَ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ أَكَفُّ عَنْ كُلِّهَا، ثُمَّ عَلِمَ لُزُومَ عُقُوبَةٍ عَلَى مَنْ فَوَّتَ الْكَفَّ عَنْ بَعْضِهَا جَزَمَ بِلُزُومِهَا عَلَى مَنْ فَوَّتَ الْكَفَّ عَنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ حُكْمًا لِلْعَمَلِ بِذَلِكَ الِاسْتِوَاءِ، غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ فِيهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ، أَعْنِي بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمَيْنِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الثَّالِثُ، وَيَفْهَمُ كُلُّ عَالِمٍ بِهِمَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي لُزُومِهَا تَفْوِيتُ الرُّكْنِ لَا خُصُوصُ رُكْنٍ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ جَلِيٌّ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ لَا خَفِيٌّ يَحْتَاجُ إِلَى تَرْتِيبِ مُقَدِّمَاتٍ مِنْ مَقِيسٍ وَمَقِيسٍ عَلَيْهِ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ وَدَقَائِقِهِ الْمُحْتَاجِ إِلَى إِدْرَاكِ جَامِعِهِ وَفَارِقِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ " أَيْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً " تُعْتِقُهَا " أَيْ كَفَّارَةً لِهَذَا الذَّنْبِ ( «قَالَ: لَا، قَالَ: " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " هَلْ تَجِدُ " بِدُونِ الْفَاءِ " إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لَا» ) قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ رَتَّبَ الثَّانِيَ بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّالِثَ بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الثَّانِي، فَدَلَّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَقَالَ مَالِكٌ بِالتَّخْيِيرِ، فَإِنَّ الْمُجَامِعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ عِنْدَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهَا مُخَيَّرَةٌ كَالْكَفَّارَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَجَابُوا بِأَنَّ أَوْ كَمَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَا تَمْنَعُهُ كَمَا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّقْدِيرُ: أَوْ يَصُومُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ أَوْ يُطْعِمُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ، وَرُوَاتُهَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَقَدْ رَوَاهَا عِشْرُونَ صَحَابِيًّا، وَهِيَ حِكَايَةُ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوَاةُ هَذَا اثْنَانِ، وَهُوَ لَفْظُ الرَّاوِي، وَخَبَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِ وَنَحْرِ بَدَنَةٍ ضَعِيفٌ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِ الْحَسَنُ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَاءَ فِي أَصْلِنَا الْمُوَافِقِ لِلنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ فِي الثَّانِي غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَأَمَّا فِي أَصْلِ الْبُخَارِيِّ فَمَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا مَفْقُودٌ، وَأَمَّا الْفَاءُ فِي الْأَوَّلِ فَمَوْجُودٌ اتِّفَاقًا، وَهُوَ يَكْفِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>