التَّرْتِيبُ لِعِلْمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ: " اجْلِسْ " وَمَكَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا أَيْ لَبِثَ وَتَوَقَّفَ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَسَكَتَ بِالسِّينِ أَوِ التَّاءِ فَتَصْحِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْأُصُولَ الْمُعْتَمَدَةَ (فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْجُلُوسِ وَالْمُكْثِ (أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ جِيءَ (بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ) أَيْ بِفَتْحَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ (الْمِكْتَلُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيِ الزِّنْبِيلُ (الضَّخْمُ) بِسُكُونِ الْخَاءِ أَيِ الْعَظِيمُ، قِيلَ: الْمَنْسُوجُ مِنْ نَسَائِجِ الْخُوصِ، فِي الْمُغْرِبِ: يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَفًّا، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَيَكُونُ سِتِّينَ مُدًّا لِأَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ " قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ " أَيْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ (قَالَ: أَنَا) أَيْ أَنَا هُوَ، أَوْ أَنَا السَّائِلُ " قَالَ: فَخُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ " أَيْ عَلَى الْفُقَرَاءِ (فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ: هُوَ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَكْثَرَ حَاجَةً مِنِّي (يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَفِيهِ نَوْعُ اسْتِعَانَةٍ وَاسْتِغَاثَةٍ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بَيَّنَ أَفْقَرِيَّتَهُ بِقَوْلِهِ الْمُؤَكَّدِ بِقَسَمِهِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ (فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) أَيِ الْمَدِينَةِ (يُرِيدُ) أَيْ يَعْنِي الرَّجُلُ بِاللَّابَتَيْنِ (الْحَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ مِنَ الشَّرْقِيَّةِ وَالْغَرْبِيَّةِ، الْحَرَّةُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ: الْأَرْضُ ذَاتُ الْحِجَارَةِ السُّودِ، وَالْمَعْنَى مَا بَيْنَ أَطْرَافِهَا (أَهْلُ بَيْتٍ) أَيْ جُمْلَةٌ مُجْتَمِعُونَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ (أَفْقَرُ مِنِّي) بِالرَّفْعِ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: (أَهْلُ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَا، (وَأَفْقَرَ) خَبَرُهُ إِنْ جَعَلْتَهَا حِجَازِيَّةً، وَبِالرَّفْعِ إِنْ جَعَلْتَهَا تَمِيمِيَّةً بِأَفْقَرَ (فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ) أَيْ ظَهَرَتْ (أَنْيَابُهُ) جَمْعُ نَابٍ وَهُوَ الَّذِي بَعْدَ الرَّبَاعِيَةِ (ثُمَّ قَالَ: " أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ") وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: فَلَا تُفْطِرْ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الْأَدَاءِ لَا الْفِعْلِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَالَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ شَيْءٌ، فَلَمَّا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَصَارَ قَادِرًا أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: فَلَمَّا ذَكَرَ حَاجَتَهُ أَخَّرَهُ عَلَيْهِ إِلَى الْوُجْدِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ هَذَا خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَقِيلَ: مَنْسُوخٌ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنَ الْأَخِيرَيْنِ، إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِمَا، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السِّتَّةِ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، وَفِي لَفْظٍ: أَنْيَابُهُ، وَفِي لَفْظٍ: نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ: زَادَ الزُّهْرِيُّ: رُبَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ، قَالَ الْمُنْذِرُ: قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَعَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ، قَالَ: لِانْتِسَاخِهِ بِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ " كُلْهَا أَنْتَ وَعِيَالُكَ " اهـ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا رَفْعُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ: يُجْزِئُكَ وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ، فَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ، وَكَذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا لَفْظُ الْفَرَقِ بِالْفَاءِ بَلْ بِالْعَيْنِ، وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى مَا قِيلَ، قُلْنَا: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَخَّرَ عَنْهُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا فِي الْحَالِ عَاجِزًا عَنِ الصَّوْمِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ لَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْكَ، وَلَفَظُ (وَأَهْلَكْتُ) لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَضَعَّفَهُ الْحَاكِمُ اهـ مُلَخَّصًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute