للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِفِيِّ الصَّائِمِ خُلُوفٌ وَإِنِ اسْتَاكَ، وَمَا كَانَ بِالَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا، مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، بَلْ فِيهِ شَرٌّ إِلَّا مَنِ ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا. قَالَ: وَكَذَا الْغُبَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ "، إِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ مَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا، فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَلَاءِ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ شَيْءٌ» ، قِيلَ: وَيَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ تَكْثِيرًا لِلْمَشْيِ إِلَى الْمَسَاجِدِ نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ " وَمَنْ تَصَنَّعَ فِي طُلُوعِ الشَّيْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ " إِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا مَنْ بُلِيَ بِهِمَا، وَفِي الْمَطْلُوبِ أَيْضًا أَحَادِيثُ مُضَعَّفَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا لِلِاسْتِشْهَادِ وَالتَّقْوِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا إِسْحَاقُ الْخُوَارَزْمِيُّ قَالَ: «سَأَلْتُ عَاصِمًا الْأَحْوَلَ أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَرَاهُ أَشَدَّ رُطُوبَةً مِنَ الْمَاءِ؟ قُلْتُ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَمَّنْ رَحِمَكَ اللَّهُ، قَالَ: عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ،» وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، قُلْنَا: كَفَى ثُبُوتُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَعَ تَعَدُّدِ الضَّعِيفِ فِيهِ مَعَ عُمُومَاتِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ، وَأَمَّا مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدْوَةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُقَاوِمُ مَا قَدَّمْنَا اهـ وَبِهِ بَطَلَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: بِعَدَمِ كَرَاهَةِ تَسَوُّكِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ أَنَّ الْمَانِعَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ لَا سِيَّمَا إِذَا وَرَدَ عَنِ الشَّارِعِ أَحَادِيثُ مُطْلَقَةٌ شَامِلَةٌ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ، وَخُصُوصًا إِذَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُمْ وَإِفْتَاؤُهُمْ عَلَى جَوَازِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَيْفَ يَصْلُحُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ الْخُلُوفِ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى مَنْعِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَرْفِ الْإِطْلَاقِ إِلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيلٍ صَحِيحٍ، وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُبَالَغَةٌ فِي فَضِيلَةِ الصَّوْمِ، كَمَا يُبَالِغُ أَحَدٌ وَيَقُولُ: لَعَرَقُ فُلَانٍ الَّذِي يَحْصُلُ حَالَ كَدِّهِ فِي آخِرِ النَّهَارِ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ، فَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَرَاهَةِ إِزَالَةِ الْعَرَقِ بِالِاغْتِسَالِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ اهـ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>