للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمَلَازِمِ) بِإِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ الْمِلْزَمَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَارُورَةُ الْحَجَّامِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الدَّمُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَقْبِضُهُ، قَالَ مِيرَكُ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمَا مَسَاءً فَقَالَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا بِذَلِكَ أَيْ قَدْ أَمْسَيَا وَدَخَلَا وَقْتَ الْإِفْطَارِ، وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ فَقَالَ: أَفْطِرَا، أَيْ بَطَلَ أَجْرُهُمَا بِالْغِيبَةِ كَالْإِفْطَارِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَالْمُرَادُ بُطْلَانُ كَمَالِ أَجْرِهِ لَا أَصْلُ ثَوَابِهُ كَمَا سَبَقَ، وَذَكَرَ السَّيِّدُ عَلِيٌّ الْقَاضِي أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ جَمْعٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالُوا: يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسَدُ الصَّوْمُ بِهَا، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى التَّشْدِيدِ، وَأَنَّهُمَا نَقَصَا أَجْرَ صِيَامِهِمَا وَأَبْطَلَاهُ بِارْتِكَابِ هَذَا الْمَكْرُوهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا بَأْسَ بِهَا، إِذْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ تَعَرَّضَ لِلْإِفْطَارِ كَمَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي الْمَتْنِ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذِكْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَتْ سَنَةَ عَشْرَةٍ، وَحَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ سَنَةَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَارَةً بِمَكَّةَ وَتَارَةً بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ احْتِجَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَائِمٌ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَرُوِيَ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَفْطَرَ هَذَا "، ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِنَسْخِ الْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ نُبْذَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ، وَنَقَلَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ، تَمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ، ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، يَعْنِي حَدِيثَيْ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ، وَكَذَا عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» " وَصَحَّحَهُ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا، وَبَلَغَ أَحْمَدَ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ وَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: مُتَوَاتِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِيِّ، وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا ادِّعَاءُ النَّسْخِ، وَذَكَرُوا فِيهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ثَابِتٍ «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا كَرِهْتُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَفْطَرَ هَذَانِ» ، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، وَمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ بَعْدَ مَا قَالَ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا قَالَ الْحَدِيثَ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَطَلْحَةُ هَذَا احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ وَهِيَ الَّتِي أَخْرَجَهَا ابْنُ حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَظْهَرُ سَنَدًا وَأَظْهَرُ تَأْوِيلًا، إِمَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إِلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ جَوَابُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَنَّ الْحِجَامَةَ كَانَتْ مَعَ الْغُرُوبِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّهُ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا طِيبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إِفْطَارِ الصَّائِمِ فَحَجَمَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ: " كَمْ خَرَاجُكَ؟ " قَالَ: صَاعَانِ، فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعًا» اهـ. وَالثَّانِي التَّأْوِيلُ بِأَنَّ مُرَادَهُ ذَهَابُ ثَوَابِ الصَّوْمِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجُمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ "، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ» ، لَكِنْ أُعِلَّ بِالِاضْطِرَابِ فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا إِنَّمَا مَنَعَ إِبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ خَشْيَةَ الضَّعْفِ، تَمَّ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ مُخْتَصَرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>