٢٠٣٢ - «وَعَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ لِعَائِشَةَ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٢٠٣٢ - (وَعَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ لِعَائِشَةَ: مَا بَالُ الْحَائِضِ) أَيْ: مَا شَأْنُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْهُ التَّاءُ لِلِاخْتِصَاصِ (تَقْضِي الصَّوْمَ) أَيِ: الَّذِي فَاتَهَا أَيَّامَ حَيْضِهَا (وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟) مَعَ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ تُرِكَا لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْحَيْضُ، وَفِي مَعْنَاهُ النِّفَاسُ (قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ) أَيِ: الشَّأْنُ (يُصِيبُنَا ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَيُفْتَحُ أَيِ الْحَيْضُ (فَنُؤْمَرُ) أَيْ: نَحْنُ مَعَاشِرَ النِّسَاءِ (بِقَضَاءِ الصَّوْمِ) لَعَلَّهُ لِنُدْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ (وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) لِكَثْرَتِهَا الْمُوجِبَةِ لِلْحَرَجِ، فِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قِيلَ: مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ: دُعِيَ السُّؤَالُ عَنِ الْعِلَّةِ إِلَى مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ مُتَابَعَةِ النَّصِّ، وَالِانْقِيَادِ لِلشَّارِعِ، وَفِيهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَتِ السَّائِلَةُ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، فَكَأَنَّ الْجَوَابَ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ، وَاغْتِرَافٌ مِنْ بَحْرِ الْعُبُودِيَّةِ بِالتَّعَبُّدِ فِي أُمُورِ الْعِلَّةِ، فَلَا أَدْرِي نِصْفَ الْعِلْمِ {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢] أَوْ يُقَالُ إِنَّمَا السَّائِلَةُ أَرَادَتِ الْعِلَّةَ الْمَعْلُومَةَ مِنْ جِهَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَتِ الْمَسْئُولَةُ أَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لَا غَيْرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا عُلِّلَ أَنَّ قَضَاءَ الصَّوْمِ لَا يَشُقُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَشُقُّ كَثِيرًا لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، وَقَدْ يَمْتَدُّ إِلَى عَشْرٍ فَيَلْزَمُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ، وَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْمَشَقَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إِنَّ التَّقْدِيرَ دَعَى السُّؤَالُ عَنِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ لَا أَهْلِيَّةَ لَكِ فِيهَا إِلَى فَهْمِهَا، فَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ عَنْ فِقْهِهِ إِذِ الصَّحَابِيَّاتُ مَا كُنَّ عَنْ فَهْمِ مِثْلِ هَذَا خَالِيَاتٌ، وَنَظِيرُ قَوْلِهِ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ التَّفْتَازَانِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] : إِنَّهُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ مَا كَانُوا يُدْرِكُونَ دَقَائِقَ الْحِكَمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْهَيْئَةِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّ هَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ السَّائِلَيْنِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الَّذِي قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّهِ: إِنَّهُ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهُوَ مِنَ الْأَعْلَامِ الْكِرَامِ، وَفِيهِمْ عَلَيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - الَّذِي هُوَ بَابٌ لِمَدِينَةِ الْعِلْمِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute