للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

" الصَّوْمِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ جَمَاعِيٌّ قُلْنَا الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنَ الشَّارِعِ، فَلَا دَخْلَ لِلُّغَةِ فِيهِ، أَقُولُ: مَعْرِفَةُ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ مِنَ الشَّارِعِ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ اللُّغَةِ حَيْثُ قَالَ: صُمْتُ عَشْرًا، أَنَّ إِيرَادَ اللَّيَالِي بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، فَتَأَمَّلْ " مِنْ كُلِّ شَهْرٍ " قِيلَ: هُوَ أَيَّامُ الْبِيضِ، وَقِيلَ: أَيْ ثَلَاثٌ يَجِدُ هَذَا الثَّوَابَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي " وَرَمَضَانُ " أَيْ وَصَوْمُ رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ مُنْتَهِيًا " إِلَى رَمَضَانَ " الْقِيَاسُ انْصِرَافُهُمَا لَكِنْ ضُبِطَ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ غَيْرَ مُنْصَرِفِينَ " فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ " أَيِ الْمَحْمُودُ " كُلِّهِ " أَيْ حُكْمًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] ، هَكَذَا قِيلَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكُلِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ رَمَضَانَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ دُخُولِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، الْمَعْنَى أَنَّ صِيَامَهُ كَصِيَامِهِ فِي الثَّوَابِ لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ عَلَى حَدِّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، قِيلَ: ثَلَاثٌ مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ قَوْلُهُ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ، وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ، أَوْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَذَلِكَ أَنَّ (ثَلَاثٌ) مُبْتَدَأٌ، وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِفَةٌ، أَيْ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصُومُهَا الرَّجُلُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ، مَا لَمْ يَظُنَّ إِلْحَاقَهُ بِالْوَاجِبِ " «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ» " أَيِ اللَّهُ أَوِ الصِّيَامُ " السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " أَيْ ذُنُوبَهُمَا " وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ، قَالَ الْقَاضِيَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ، أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ، قَلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِمُكَفِّرٍ وَبِغَيْرِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالُوا: الْمُرَادُ بِالذُّنُوبِ الصَّغَائِرُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الصَّغَائِرُ يُرْجَى تَخْفِيفُ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتِ الدَّرَجَاتُ، قَالَ الْمُظْهِرُ: وَقِيلَ: تَكْفِيرُ السَّنَةِ الْآتِيَةِ أَنْ يَحْفَظَهُ مِنَ الذُّنُوبِ فِيهَا، وَقِيلَ: أَنْ يُعْطِيَهُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالثَّوَابِ قَدْرًا يَكُونُ كَفَّارَةً لِلسَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقَابِلَةِ إِذَا جَاءَتْ وَاتَّفَقَتْ لَهُ ذُنُوبٌ " وَقِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " فِي النِّهَايَةِ: الِاحْتِسَابُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ هُوَ الْبِدَارُ إِلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَتَحْصِيلِهِ بِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقِيَامِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْسُومِ فِيهَا طَلَبًا لِلثَّوَابِ الْمَرْجُوِّ فِيهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ أَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكَفِّرَ فَوَضَعَ مَوْضِعَهُ أَحْتَسِبُ وَعَدَّاهُ بِعَلَى الَّذِي لِلْوُجُوبِ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْدِ مُبَالَغَةً لِحُصُولِ الثَّوَابِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>