للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٠٤٧ - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٢٠٤٧ - (وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ) أَيْ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ حَدَّثَ الرَّاوِي عَنْهُ أَوْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّاوِي عَنْهُ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي نُسْخَةٍ: وَعَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ إِلَخْ " «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ» " بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيْ جَعَلَ عَقِبَهُ فِي الصِّيَامِ " سِتًّا " أَيْ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَالتَّذْكِيرُ لِتَأْنِيثِ الْمُمَيَّزِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ لَيَالِيهِ " مِنْ شَوَّالٍ " وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى التَّوَالِي وَالتَّفَرُّقِ " «كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» " قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ التَّشْبِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْحَثِّ عَلَى صِيَامِ السِّتِّ اهـ وَفِيهِ إِنَّمَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ لَوْ كَانَ السِّتُّ يَقُومُ بِانْفِرَادِهِ مَقَامَ بَقِيَّةِ السَّنَةِ، وَأَمَّا بِالِانْضِمَامِ إِلَى رَمَضَانَ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ التَّشْبِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، لِأَنَّهُ صِيَامُ الدَّهْرِ حُكْمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، كَمَا بَيَّنَهُ خَبَرُ النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: " «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ فَرْضًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ لِمَا مَرَّ مِنْ حُصُولِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَيْ نَفْلًا اهـ وَفِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ الشَّارِعِ عَلَى شَيْءٍ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِهِ إِذْ مُرَادُهُ بَيَانُهُ تَرْغِيبًا فِي شَأْنِهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي التَّشْبِيهِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوِ الْأَغْلَبُ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنَ الْمُشَبَّهِ، فَلَوْ أُرِيدَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ حَقِيقَةً لَتَعَيَّنَ الْمُبَالَغَةُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَلَاغَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْحَدِيثِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ الْمَحْمُودَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَإِلَّا فَمَذْمُومٌ حَرَامٌ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّ رَمَضَانَ مَحْسُوبٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي السُّنَّةِ: قَدِ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَهَا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ مُتَتَابِعَةً أَيْ بَيْنَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ إِذِ التَّتَابُعُ الْمَفْهُومُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رَمَضَانَ وَبَيْنَ السِّتِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ حَقِيقَةً لِنَهْيِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، فَأَمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجَازِ الْمُشَارَفَةِ فَإِنَّهُ تَتَابَعٌ حُكْمًا مَعَ وُجُودِ الْفَصْلِ بِيَوْمٍ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ الْبَعْدِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَأَنَّهُ صَامَ السَّنَةَ» ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ فَرَّقَهَا جَازَ، وَحَكَى مَالِكٌ: الْكَرَاهَةَ فِي صِيَامِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَصُومُهَا، قَالُوا: يُكْرَهُ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهَا اهـ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ: الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ، وَقِيلَ: بَلْ تَفْرِيقُهَا فِي الشَّهْرِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَمْ يَلْزِمِ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى اعْتِقَادِ لُزُومِهَا مِنَ الْعَوَامِّ لِكَثْرَةِ الْمُدَاوَمَةِ، وَلِذَا سَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ: يَوْمُ الْفِطْرِ نَحْنُ إِلَى الْآنَ لَمْ يَأْتِ عِيدُنَا أَوْ نَحْوُهُ، فَأَمَّا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْرِيقَ أَفْضَلُ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ بِهِ عَنِ التَّشْبِيهِ الْمَوْهُومِ وَاعْتِقَادِ اللُّزُومِ، وَيَلْتَئِمُ بِهِ كَلَامُ أَهْلِ الْعُلُومِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ثَوَابَ صَوْمِ الدَّهْرِ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِ سِتٍّ إِلَى رَمَضَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي شَوَّالٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>