وَيُمْكِنُ أَنَّهُ حَدَثَ لَهَا السُّؤَالُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، ثُمَّ فِي التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ قَدْ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ أَوْ قَصَدَهَا، فَإِنَّمَا لَمْ تَذْكُرْ خَوْفًا عَنْ فَوْتِ سُؤْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَقَالَ لَهَا: أَكُنْتِ تَقْضِينَ) : أَيْ: بِهَذَا الصَّوْمِ (شَيْئًا؟) : أَيْ: مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْكِ. (قَالَتْ: لَا. قَالَ: فَلَا يَضُرُّكِ) : أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكِ إِثْمٌ فِي فِطْرِكِ (إِنْ كَانَ) : صَوْمُكِ (تَطَوُّعًا) : وَهُوَ لِلتَّأَكُّدِ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ بِعُذْرٍ بَلْ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَسَبَقَ عَلَى وَفْقِ الْمَذْهَبِ تَحْرِيرُهُ. وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ: يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بِصَوْمٍ إِذَا أَبْطَلَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) : وَقَالَ: فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ. قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ، وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَبِيرٌ أَشَارَ إِلَيْهِ النَّسَائِيُّ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ.
(وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ) : بِالرَّفْعِ أَيْ مَعْنَاهُ (وَفِيهِ) : أَيْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْوُهُ (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ: الصَّائِمُ) : أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ (الْمُتَطَوِّعُ) : احْتِرَازٌ مِنَ الْمُفْتَرِضِ أَدَاءً وَقَضَاءً (أَمِيرُ نَفْسِهِ) : أَيْ: حَاكِمُهَا ابْتِدَاءً، وَفِي رِوَايَةٍ أَمِينُ نَفْسِهِ بِالنُّونِ بَدَلًا مِنَ الرَّاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُفْهَمُ أَنَّ الصَّائِمَ غَيْرَ الْمُتَطَوِّعِ لَا تَخْيِيرَ لَهُ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ. (إِنْ شَاءَ صَامَ) : أَيْ: نَوَى الصِّيَامَ (وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ) : أَيِ: اخْتَارَ الْإِفْطَارَ، أَوْ مَعْنَاهُ أَمِيرٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ إِنْ شَاءَ صَامَ أَيْ: أَتَمَّ صَوْمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ إِمَّا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَيَجِيءُ حُكْمُ الْقَضَاءِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَرَّمَ الْخُرُوجَ عَنِ النَّفْلِ اهـ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ وَلَا حَسَنٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ، فَارْجِعْ إِلَى أَرْبَابِ الِاعْتِمَادِ فِي مَعْرِفَةِ الْإِسْنَادِ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ: وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ مَرْدُودٌ. ثُمَّ قَوْلُهُ: أَوْ يُحْمَلُ عَلَى السَّنَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَلَا يُنَافِي صِحَّتَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مَرْدُودٌ أَيْضًا لِلِاحْتِيَاجِ إِلَى ثُبُوتِ إِسْنَادٍ آخَرَ وَإِلَّا فَهُوَ مُجَازَفَةٌ وَجَرَاءَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute