٢٠٩٤ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا وَأَنَا أُصَلِّي فِيهَا فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: " انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ "، فَقِيلَ لِابْنِهِ: كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٢٠٩٤ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) بِالتَّصْغِيرِ مُخَفَّفًا (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ) أَيْ سَاكِنًا (فِيهَا) قَالَ مِيرَكُ: الْمُرَادُ بِالْبَادِيَةِ دَارُ إِقَامَةٍ بِهَا، فَقَوْلُهُ إِنَّ لِي بَادِيَةً أَيْ إِنَّ لِي دَارًا بِبَادِيَةٍ أَوْ بَيْتًا أَوْ خَيْمَةً هُنَاكَ وَاسْمُ تِلْكَ الْبَادِيَةِ الْوَطَاءَةُ (وَأَنَا أُصَلِّي فِيهَا بِحَمْدِ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أَعْتَكِفَ، وَفِيهِ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بِدُونِ الصَّوْمِ، وَهُوَ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ فِي اللَّيْلِ وَيَخْرُجُ فِي الصُّبْحِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ إِدْرَاكَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (فَمُرْنِي) أَمَرَ مِنْ أَمْرٍ مُخَفَّفًا (بِلَيْلَةٍ) زَادَ فِي الْمَصَابِيحِ: مِنْ هَذَا الشَّهْرِ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ (أَنْزِلُهَا) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ، وَقِيلَ: بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، أَيْ أَنْزِلْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنَ النُّزُولِ بِمَعْنَى الْحُلُولِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَنْزِلْ فِيهَا قَاصِدًا أَوْ مُنْتَهِيًا (إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ) إِشَارَةٌ إِلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَلَعَلَّهُ قَصَدَ حِيَازَةَ فَضِيلَتَيِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (فَقَالَ: " انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ) لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَزِمَ تَعْيِينُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، إِذَا ثَبَتَ أَنَّ نُزُولَهُ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ إِلَّا بِالْقَوْلِ بِانْتِقَالِهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، أَوْ فِي كُلِّ عَشْرٍ، أَوْ يَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، أَوْ يُقَالُ: نُزُولُهُ كَانَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَالتَّخْصِيصُ بِتِلْكَ اللَّيْلَةِ لِمُنَاسَبَةِ مَكَانِ السَّائِلِ أَوْ حَالِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قِيلَ لَابْنِهِ) أَيْ ضَمْرَةَ (كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ؟) أَيْ فِي نُزُولِهِ (قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ) أَيْ يَوْمَ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ (فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَةٍ) أَيْ مِنَ الْحَاجَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ اغْتِنَامًا لِلْخَيْرَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ أَوْ لِحَاجَةٍ غَيْرِ ضَرُورِيَّةٍ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَّةٍ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، وَوَجْهُ الْغَرَابَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ إِذَا أُرِيدَ بِالْحَاجَةِ الضَّرُورَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ فَلَا يَسْتَقِيمُ، وَإِذَا أُرِيدَ بِالْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَنْتَظِمُ ثُمَّ قَالَ مُسْتَشْعِرًا لِلِاعْتِرَاضِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ: وَقَوْلُهُ لِحَاجَةٍ يُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ وَيَبْقَى وَضَوْءُهُ مِنَ الْعَصْرِ، وَأَنْ يُرِيدَ بِهَا مَا عَدَا حَاجَةَ الْإِنْسَانِ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ إِلَّا فِي حَاجَةٍ أَيْ مَعْهُودَةٍ، إِذِ التَّنْكِيرُ قَدْ يَكُونُ لِلْعَهْدِ وَهِيَ أَحَدُ ذَيْنِكَ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّ (لِحَاجَةٍ) فِي الْأُولَى الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ ذَيْنِكَ، وَإِلَّا لِحَاجَةٍ فِي الثَّانِيَةِ الْمُرَادُ بِهَا هُمَا، بِخِلَافِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ ; فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَنَافِيًا، وَضَرُورَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَنَافِيَتَيْنِ يُعَيِّنُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِي دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اهـ وَهُوَ تَطْوِيلٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ بِالتَّنْكِيرِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي تَعْلِيلِهِ بِمَعْنَى اللَّامِ، فَلَا تَنَافِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ وُجُودٍ إِلَّا وَعَدَمِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَالْمَصَابِيحِ: فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَّا فِي حَاجَةٍ، وَالتَّنْكِيرُ فِي حَاجَةٍ لِلتَّنْوِيعِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلِاعْتِكَافِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ، فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَعَلَى الثَّانِي فَلَا يَخْرُجُ إِلَّا فِي حَاجَةٍ يَضْطَرُّ إِلَيْهَا الْمُعْتَكِفُ اهـ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاعْتِكَافُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ عَلَى الِاعْتِكَافِ النَّفْلِيِّ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ (حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ) يُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ (فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ: بَادِيَتَهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) أَيْ مِنْ طَرِيقِ ضَمْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَحَدِيثُهُ يَصِحُّ إِذَا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute