أَيْ يَجْمَعُ النَّاسَ لِلْجَمَاعَةِ، قَالَ الشُّمُنِّيُّ: شَرْطُ الِاعْتِكَافِ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الَّذِي لَهُ مُؤَذِّنٌ وَإِمَامٌ، وَيُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، أَوْ بَعْضُهَا بِجَمَاعَةٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اهـ وَقَالَ قَاضِيَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عِنْدَهُ إِلَّا فِي الْجَامِعِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: لَا تَعْجَبْ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُعْتَكِفُونَ؟ ! قَالَ: لَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْتَ، أَوْ حَفِظُوا وَنَسِيتَ، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبْغَضَ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - الْبِدَعُ، وَأَنَّ مِنَ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لِا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ إِمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصِحُّ» " وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْجَامِعِ لِلْأَوْلَوِيَّةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ اهـ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ وُرُودَ الْحَدِيثِ لَا يُعَلَّلُ بِالْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْخِلَافِ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ مَا يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، ثُمَّ مَسْجِدِ الْجَامِعِ، قِيلَ: إِذَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ بِجَمَاعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى الْخُرُوجِ، ثُمَّ كُلُّ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَكْثَرَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ الْجَزَرِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ: وَغَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يَقُولُ قَالَتِ: السُّنَّةُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَلَيْسَ فِيهِ السُّنَّةُ، وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا بِدُونِ لَفْظِ السُّنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ زَادَ لَفْظَ السُّنَّةِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ قَالُوا مَنْ رَوَى الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْهُ لَا يُنْظَرُ لِلطَّاعِنِينَ فِيهِ، وَإِنْ كَثُرُوا اهـ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِنَ السُّنَّةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَثَبَتَ كَوْنُهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ: إِنْ أَرَدْتَ بِكَوْنِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنَ السُّنَّةِ إِضَافَتَهَا إِلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِيَ نُصُوصٌ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا، أَوِ الْفُتْيَا بِمَا عَقِلْتَهُ مِنَ السُّنَّةِ، فَقَدْ خَالَفَهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأُمُورِ، وَالصَّحَابَةُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ سَبِيلُهَا النَّظَرَ اهـ فَهُوَ غَفْلَةٌ مِنَ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ السُّنَّةُ كَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute