٢١١٢ - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٢١١٢ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ) ، أَيِ الْحَاذِقُ مِنَ الْمَهَارَةِ وَهِيَ الْحِذْقُ، جَازَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَوْدَةُ الْحِفْظِ أَوْ جَوْدَةُ اللَّفْظِ وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ كِلَيْهِمَا وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ الْكَامِلُ الْحِفْظِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، قَالَ الْجَعِيِرِيُّ فِي وَصْفِ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ: كُلُّ مَنْ أَتْقَنَ حِفْظَ الْقُرْآنِ وَأَدْمَنَ دَرْسَهُ وَأَحْكَمَ تَجْوِيدَ أَلْفَاظِهِ وَعَلِمَ مَبَادِيهِ وَمَقَاطِعِهِ وَضَبَطَ رِوَايَةَ قِرَاءَتِهِ وَفَهِمَ وُجُوهَ إِعْرَابِهِ وَلُغَاتِهِ وَوَقَفَ عَلَى حَقِيقَةِ اشْتِقَاقِهِ وَتَصْرِيفِهِ وَرَسَخَ فِي نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَأَخَذَ حَظًّا وَافِرًا مِنْ تَفْسِيرِهِ وَتَأْوِيلِهِ وَصَانَ نَقْلَهُ عَنِ الرَّأْيِ وَتَجَافَى عَنْ مَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَجَلَّلَهُ الْوَقَارُ وَغَمَرَهُ الْحَيَاءُ وَكَانَ عَدْلًا مُتَيَقِّظًا وَرِعًا مُعْرِضًا عَنِ الدُّنْيَا مُقْبِلًا عَلَى الْآخِرَةِ قَرِيبًا مِنَ اللَّهِ فَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُقْتَدَى بِأَقْوَالِهِ وَيُهْتَدَى بِأَفْعَالِهِ (مَعَ السَّفَرَةِ) جَمْعُ سَافِرٍ وَهُمُ الرُّسُلُ إِلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقِيلَ: السَّفَرَةُ الْكَتَبَةُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ مِيرَكُ: أَيِ الْكَتَبَةُ جَمْعُ سَافِرٍ مِنَ السَّفَرِ، وَأَصْلُهُ الْكَشْفُ فَإِنَّ الْكَاتِبَ يُبَيِّنُ مَا يَكْتُبُ وَيُوَضِّحُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْكِتَابِ سِفَرٌ بِكَسْرِ السِّينِ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ الْحَقَائِقَ وَيُسْفِرُ عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ حَمَلَةُ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ - كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١٥ - ١٦] سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ الْمُنَزَّلَةَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ فَكَأَنَّهُمْ يَسْتَنْسِخُونَهَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمْ كَوْنُهُ مِنْ خَزَنَةِ الْوَحْيِ وَأُمَنَاءِ الْكُتُبِ، قَالَ مِيرَكُ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَا نَسَخُوا الْقُرْآنَ، وَقِيلَ: السَّفَرَةُ الْمَلَائِكَةُ الْكَاتِبُونَ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ أَوْ مِنَ السَّفَارِ بِمَعْنَى الْإِصْلَاحِ فَالْمُرَادُ هُمْ حِينَئِذٍ الْمَلَائِكَةُ النَّازِلُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ مِنْ حِفْظِهِمْ عَنِ الْآفَاتِ وَالْمَعَاصِي وَإِلْهَامِهِمُ الْخَيْرَ فِي قُلُوبِهِمْ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَنَازِلٌ يَكُونُ فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلَائِكَةِ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ عَامِلٌ بِعَمَلِهِمْ وَسَالِكٌ مَسْلَكَهُمْ مِنْ كَوْنِهِمْ يَحْفَظُونَهُ وَيُؤَدُّونَهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَكْشِفُونَ لَهُمْ مَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ الْمَاهِرُ (الْكِرَامُ) جَمْعُ الْكَرِيمِ، أَيِ الْمُكْرَمِينَ عَلَى اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ مَوْلَاهُ لِعِصْمَتِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ عَنْ دَنَسِ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُخَالَفَةِ (الْبَرَرَةِ) جَمْعُ بَارٍّ وَهُوَ الْمُحْسِنُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ الْمُطِيعُونَ مِنَ الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَةُ يَعْنِي هُوَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي مَنَازِلِ الْآخِرَةِ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِن حَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ عَامِلَ عَمَلَهُمْ وَسَالِكَ مَسْلَكَهُمْ فِي حِفْظِهِ وَأَدَائِهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ (وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ) ، أَيْ يَتَرَدَّدُ وَيَتَبَلَّدُ عَلَيْهِ لِسَانُهُ وَيَقِفُ فِي قِرَاءَتِهِ لِعَدَمِ مَهَارَتِهِ، وَالتَّعْتَعَةُ فِي الْكَلَامِ التَّرَدُّدُ فِيهِ مِنْ حَصْرٍ أَوْ عِيٍّ، يُقَالُ: تَعْتَعَ لِسَانُهُ إِذَا تَوَقَّفَ فِي الْكَلَامِ وَلَمْ يُطِعْهُ لِسَانُهُ (وَهُوَ) ، أَيِ الْقُرْآنُ، أَيْ حُصُولُهُ أَوْ تَرَدُّدُهُ فِيهِ (عَلَيْهِ) ، أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْقَارِئِ (شَاقٌّ) ، أَيْ شَدِيدٌ يُصِيبُهُ مَشَقَّةٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (لَهُ أَجْرَانِ) ، أَيْ أَجْرٌ لِقِرَاءَتِهِ وَأَجْرٌ لِتَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ وَهَذَا تَحْرِيضٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي يَتَتَعْتَعُ فِيهِ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ أَكْثَرُ مِنَ الْمَاهِرِ بَلِ الْمَاهِرُ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ أَجْرًا مَعَ السَّفَرَةِ وَلَهُ أُجُورٌ كَثِيرَةٌ حَيْثُ انْدَرَجَ فِي سِلْكِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ أَوِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَوِ الصَّحَابَةِ الْمُقَرَّبِينَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute