للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢١٢٣ - «وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: لَأَرْفَعَكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ إِنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ " {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: ٢٥٥] " حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظًا، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ " قُلْتُ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَ: " أَمَا إِنَّهُ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، وَتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: " ذَاكَ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٢١٢٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ) ، أَيْ بِجَمْعِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِيُفَرِّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:، أَيْ فِي حِفْظِهَا، أَيْ فَوَّضَ إِلَيَّ ذَلِكَ، فَالْوِكَالَةُ بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مُطْلَقُ التَّفْوِيضِ أَمْرٌ لِلْغَيْرِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِجَبْرِ مَا عَسَى أَنْ يَقَعَ فِي صَوْمِهِ تَفْرِيطٌ فَهِيَ بِمَعْنَى اللَّامِ (فَأَتَانِي آتٍ) ، أَيْ فَجَاءَنِي وَاحِدٌ (فَجَعَلَ) ، أَيْ طَفِقَ وَشَرَعَ (يَحْثُو) ، أَيْ يَغْرِفُ وَيَأْخُذُ هَيْلًا لَا كَيْلَا (مِنَ الطَّعَامِ) وَيَجْعَلُ فِي وِعَائِهِ وَذَيْلِهِ كَحَثِيِ التُّرَابِ، وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ الْبُرُّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُزَّكَّى بِهِ فِي الْفِطْرَةِ (فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ) هُوَ مِنْ رَفْعِ الْخَصْمِ إِلَى الْحَاكِمِ، أَيْ وَاللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ بِكَ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ لِيَقْطَعَ يَدَكَ فَإِنَّكَ سَارِقٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ، وَفِيهِ أَنَّ الْقَطْعَ إِنَّمَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ الْمَالُ مُحَرَّزًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنِ اسْتِحْقَاقًا مِنْهُ (قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ) ، أَيْ فَقِيرٌ فِي نَفْسِي (وَعَلَيَّ عِيَالٌ) ، أَيْ نَفَقَتُهُمْ إِظْهَارًا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاجِ (وَلِي حَاجَةٌ) ، أَيْ حَادِثَةٌ زَائِدَةٌ (شَدِيدَةٌ) ، أَيْ صَعْبَةٌ كَمَوْتٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مُطَالَبَةِ دَيْنٍ أَوْ جُوعٍ مُهْلِكٍ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا اشْتَدَّ الْحَاجَةُ إِلَى مَا أَخَذْتُهُ وَهُوَ تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ فَقِيرٌ وَقَدِ اضْطُرَّ الْآنَ إِلَى مَا فَعَلَ لِأَجَلِ الْعِيَالِ وَهَذَا لِلْمُحْتَاجِينَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ الْجِنِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧] فَالْمَعْنَى إِنَّا لَا نَرَاهُمْ عَلَى صُوَرِهِمُ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا لِبُعْدِ التَّبَايُنِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَجْسَامٌ نَارِيَّةٌ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ وَالِاشْتِبَاهِ، وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى الْجِنَّ عُزِّرَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقُرْآنَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَمَثَّلُوا بِصُوَرٍ أُخْرَى كَثِيفَةٍ (قَالَ) ، أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ (فَخَلَّيْتُ) ، أَيْ سَبِيلَهُ (عَنْهُ) يَعْنِي تَرَكْتُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنَ الطَّعَامِ أَمْ لَا، بَلْ وَلَا أَنَّ الشَّيْطَانَ أَخَذَ أَوْ لَا أَيْضًا لِأَنَّ يَحْثُو يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يُرِيدُ أَنْ يَحْثُوَ لِيَحْتَاجَ ابْنُ حَجَرٍ إِلَى مُعَالَجَةٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى تُطَابِقَ الْحَدِيثَ قَوَاعِدُ مَذْهَبِهِ (فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ (أَسِيرُكَ) ، أَيْ مَأْخُوذُكَ (الْبَارِحَةَ؟) ، أَيِ اللَّيْلَةُ الْمَاضِيَةُ، قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ: إِخْبَارُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْغَيْبِ وَتَمَكُّنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَخْذِهِ الشَّيْطَانَ وَرَدِّهِ خَاسِئًا وَهُوَ كَرَامَةٌ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعْلَمُ مِنْهُ إِعْلَاءُ حَالِ الْمَتْبُوعِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلُ جَمْعِ زَكَاةِ فِطْرِهِمْ ثُمَّ تَوْكِيلِهِمْ أَحَدًا بِتَفْرِيقِهَا (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ) ، أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>