للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَعَنِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَفِيفٍ - قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ - شُغْلُ الْقُرْآنِ الْقِيَامُ بِمُوجِبَاتِهِ مِنْ إِقَامَةِ فَرَائِضِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَحَارِمِهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَطَاعَ اللَّهَ ذَكَرَهُ وَإِنْ قَلَّتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ، وَإِذَا عَصَاهُ فَقَدْ نَسِيَهُ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ، وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالذِّكْرِ وَالْمَسْأَلَةِ اللَّذَانِ لَيْسَا فِي الْقُرْآنِ كَالدَّعَوَاتِ بِقَرِينَةِ قَوْلَهِ (وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ) ، أَيْ الدَّالُ عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَشَرَّفَهُ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهِ (عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ) ، أَيْ وَكَذَلِكَ فَضْلُ الِاشْتِغَالِ وَالْمُشْتَغِلِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ وَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكْرِ الذَّاكِرِينَ بِذِكْرِ السَّائِلِينَ أَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ سَائِرِينَ بِالْفِعْلِ أَوِ الْقُوَّةِ إِذْ لِسَانُ حَالِ كُلِّ مَخْلُوقٍ نَاطِقٍ بِالِافْتِقَارِ إِلَى نِعَمِ الْحَقِّ وَإِمْدَادِهِ بَعْدَ إِيجَادِهِ، ثُمَّ هَذَا الْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِلَّا فَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَشْرَعْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِيمَاءٌ إِلَى قِدَمِ الْقُرْآنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ رَدًّا عَلَى الْمُحَدِّثِينَ، قَالَ مِيرَكُ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَحِينَئِذٍ فِيهِ الْتِفَاتٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَظْهَرُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى ارْتِكَابِ الِالْتِفَاتِ، وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا مِنْ كَلَامِ أَبَى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا عَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ فَفِيهِ ضَعْفٌ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ مِيرَكُ: وَلَفْظُ الدَّارِمِيِّ " «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسَائِلِي» " اهـ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِي الْمَعْنَى الْأَعَمُّ أَوِ الْأَخَصُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْأَنْسَبُ لِلْجَمْعِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْإِضَافَةِ التَّشْرِيفِيَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنبياء: ٥٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>