للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَأَغْلَى كَمَا لَا يَخْفَى (هُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ) بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (إِذْ سَمِعَتْهُ) ، أَيِ الْقُرْآنُ، وَفَى نُسْخَةٍ: إِذَا سَمِعَتْهُ (حَتَّى قَالُوا) ، أَيْ لَمْ يَتَوَقَّفُوا وَلَمْ يَمْكُثُوا وَقْتَ سَمَاعِهِمْ لَهُ عَنْهُ، بَلْ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَبَادَرُوا إِلَى الْإِيمَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَاهَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَبَالَغُوا فِي مَدْحِهِ حَتَّى قَالُوا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: ١] ، أَيْ شَأْنُهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ جَزَالَةِ الْمَبْنَى وَغَزَارَةِ الْمَعْنَى {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: ٢] ، أَيْ يَدُلُّ عَلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ أَوْ يَهْدِي اللَّهُ بِهِ النَّاسَ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ (فَآمَنَّا بِهِ) ، أَيْ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِيمَانُ بِرَسُولِ اللَّهِ (مَنْ قَالَ بِهِ) مَنْ أَخْبَرَ بِهِ (صَدَقَ) ، أَيْ فِي خَبَرِهِ أَوْ مَنْ قَالَ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى قَوَاعِدِهِ وَوَفْقَ قَوَانِينِهِ وَضَوَابِطِهِ صَدَقَ (وَمَنْ عَمِلَ بِهِ) ، أَيْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ (أُجِرَ) ، أَيْ أُثِيبَ فِي عَمَلِهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَثَوَابًا جَسِيمًا لِأَنَّهُ لَا يَحُثُّ إِلَّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَمَحَاسِنِ الْآدَابِ وَالْأَحْوَالِ (وَمَنْ حَكَمَ بِهِ) ، أَيْ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ بَيْنَ خَوَاطِرِهِ (عَدَلَ) ، أَيْ فِي حُكْمِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْحَقِّ (وَمَنْ دَعَا) ، أَيِ الْخَلْقُ (إِلَيْهِ) ، أَيْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ (هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيِ الْمَدْعُوُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَحْصِيلٌ حَاصِلٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَصِحُّ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ اهـ وَهُوَ احْتِمَالٌ عَقْلِيٌّ وَإِلَّا فَالنُّسَخُ الْمُصَحَّحَةُ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ، فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ: رُوِيَ مَجْهُولًا، أَيْ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وُفِّقَ لِمَزِيد الِاهْتِدَاءِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ) الظَّاهِرُ فِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ (وَفِي الْحَارِثِ) ، أَيِ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ (مَقَالٌ) ، أَيْ مُطْعَنٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَشَهِدَ أَنَّهُ كَاذِبٌ اهـ وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مِمَّنِ اشْتُهِرَ بِصُحْبَةِ عَلِيٍّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: كَانَ أَفْقَهَ النَّاسِ وَأَفْرَضَ النَّاسِ وَأَحْسَبَ النَّاسِ اهـ.

فَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ رَوَى عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَشَهِدَ أَنَّهُ كَذَبَ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ كَذَّابٌ مَعَ أَنَّ الْكَذُوبَ قَدْ يَصْدُقُ وَلِذَا رَوَى عَنْهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَهُ ضَعِيفٌ إِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّ الضَّعِيفَ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ اتِّفَاقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>